يمر كل إنسان بمطبات وعثرات موجعة خلال رحلة حياته. فلا يوجد من لم يتجرع ألم فراق الأحبة، ومن لم يمر بتجربة سيئة أو فشل. فقد يفقد عزيزا إلى الأبد، أو قد يغدر به صديق أو قريب. أو قد يرسب في دراسته، أو يفشل في مشروعه الذي صرف عليه جهدا ومالا، أو يواجه تجربة زواج فاشلة.

فمثل هذه التجارب السلبية تؤثر فينا ونحتاج فعلا إلى أن نتجاوزها بنجاح. ولكن قد يظل بعضهم أسيرا لآثار التجربة الفاشلة التي مرّوا بها، حيث يظل شبح الفشل يطاردهم، فيخافوا أن يخوضوا في تجارب جديدة، أو أن يتجاوزوها أو ينسوها.

وحقيقة الأمر هي أنه لا يوجد شيء اسمه النسيان بمعنى محو شخص عزيز من القلب، أو  تجربة عميقة من الذاكرة. ولكن النسيان الذي نقصده هنا هو أن لا تؤثر المشاعر السلبية على الحياة اليومية، والمضي قدما في تنفيذ مهامنا وواجباتنا وقراراتنا.

خطوات تساعدك على النسيان:

كما ذكرنا فإن عملية النسيان ليست سهلة، ولكن هناك أمور تساعدنا في تحقيقه، ومنها:

1- اتخاذ القرار

إن الخطوة الأولى هي اتخاذ القرار بالنسيان، فبعض الناس يرون أن النسيان عدم وفاء للراحلين، فلا يريدون نسيانهم من الأساس. فعدم اتخاذ القرار بالنسيان وغياب إرادة حقيقية لذلك، سيؤدي إلى فشل بقية الخطوات. وكما أشرنا سابقا فإن النسيان لا يكون بمحو التجربة من الذاكرة، بل التخلص من المشاعر المؤذية منها.

2- التقرب إلى الله سبحانه

من الخطوات المهمة جدا في رحلة النسيان، هي الاستعانة بالله سبحانه وتعالى على ذلك، بالإيمان بأن حياة الانسان عبارة عن تجارب واختبارات متواصلة نتعلم منها. والتقرّب إليه بالعبادات والطاعات والذكر والدعاء، واليقين بأن أمر المؤمن كله خير. قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ) رواه مسلم.

3- التخلّص من الذكريات

إذا أردنا نسيان شخص أو تجربة مريرة، فلابد أن نتخلص من كل ما يذكّرنا بها. فإذا رحل شخص وقررنا نسيانه وتجاوز تلك التجربة، فقد نحتاج الى التخلص من الصور والهدايا وكل ما له علاقة بتلك التجربة. لأن جهودنا تذهب هباء إذا اجتهدنا في نسيانها، ثم وجدنا بين الحين والآخر ما يذكرنا بها.

4- التسامح وعدم اللوم

عندما نفشل في جانب من جوانب حياتنا سواء كان ذلك في الجانب الأسري أو العلمي أو المالي وغير ذلك فإن اللوم يرافقنا. وقد يكون اللوم لأنفسنا أو للمقابل أو للمحيطين أو للظروف. وهذه المشاعر ستكبلنا وتؤثر على استقرارنا النفسي وثقتنا بأنفسنا. لذا من الضروري أن نسامح أنفسنا أولا، ثم نسامح الطرف الآخر المسبب لذلك الألم.

5- وضع الأهداف والسعي لتحقيقها

إن وضع الأهداف والسعي لتحقيقها يؤثر على إبعاد تركيزنا عن المشاعر المؤذية. فللإنجاز تأثير إيجابي يُشعرنا بالرضا. فالتركيز على جميع جوانب الحياة، ووضع أهداف واقعية والسعي لتحقيقها، يفتح لنا آفاقا واسعة بدل أن نَحصر أنفسنا في زاوية ضيقة. فلابد من الاستفادة من أوقات فراغنا ونستثمره فيما يفيدنا.

6- مخالطة الإيجابيين

إن مخالطة الإيجابيين تؤثر بشكل كبير على حياتنا، وعلى رفع معنوياتنا والتخفيف من حالة الحزن، لأن الحالة النفسية تكون مُعدية كما يقولون. وهناك نقطة تجدر الإشارة إليها وهي أن لا نحاول البحث عن بديل لمن فقدنا، أو أن يعوضنا المقابل عن فشلنا. فهذا خطأ في حق أنفسنا وفي حق المقابل كذلك.  

7- ممارسة الرياضة

إن الحركة أو ممارسة الرياضة أو أية نشاط بدني له تأثير إيجابي على الحالة النفسية، وخاصة إذا كان ما نمارسه هواية من الهوايات. لأن هناك تناغما بين الجسد والنفس، وتأثيرا وتأثرا بينهما. فالحركة تخرج الطاقة السلبية من جسمنا لهذا نشعر بانتعاش وحيوية بعد ممارسة الرياضة.

ومن المهم أن أشير في نهاية المقال أن النسيان يحتاج إلى مدة زمنية، ولن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، علاوة على أنه لن يحدث دفعة واحدة، فنكون بين مد وجزر طوال رحلة النسيان. ولكن من الضروري أن نقتنع أن الأمس قد ذهب وانتهى، وليس في وسعنا تغييره، ولكننا نستطيع أن نأخذ الدروس والعبر منه، لنصنع منه غدا أفضل. ومن العبارات الجميلة قول أحدهم: “لن تستطيع بدء صفحة جديدة من حياتك مادمت منشغلا بقراءة صفحاتك القديمة”.