تمر العلاقات الإنسانية بأربع مراحل أساسية، تساهم جميعها في بناء هذه العلاقة وتقوية أواصرها. تبدأ المرحلة الأولى بالتعارف وفيها يأخذ كل طرف انطباعا معينا عن الآخر، وعندما يكون هذا الانطباع إيجابيا، ينتقلان بحماس إلى مرحلة الاكتشاف التي تحوي على جمال البدايات وبريقها. ثم تنتهي هذه المرحلة بمجرد دخول الطرفين في الأزمات والمشاكل، وهنا يدخلان المرحلة الثالثة وهي مرحلة الاختبار[1]. ثم ينتهي الاختبار لتأخذ العلاقة شكلها النهائي وتستقر عليه.
فوجود المشاكل والأزمات حالة طبيعية تمر بها جميع العلاقات، وتعتمد استمرار العلاقات على كيفية تعامل الطرفين مع المشاكل التي تواجههما، فالمشاكل تبرز الوجه الحقيقي لهما. فكلما كان الشخص حريصا على مصلحة المقابل قبل مصلحته، كلما تمسك به المقابل. فالأنانية تنهي معظم العلاقات، ولو استمر بعضها، فتصبح علاقة خالية من أية روح.
تبدأ العلاقات الطبيعية والسليمة بالاستقرار بعد أن تتجاوز مرحلة الاختبار بنجاح. وتأخذ العلاقة شكلها النهائي في هذه المرحلة. فتستقر في زواج أو صداقة طويلة المدى أو زمالة خالية من الشد والجذب أو شراكة ناجحة. ولا تطرأ على العلاقة تغييرات كبيرة أو قرارات مصيرية في هذه المرحلة، ويكون ذلك عن تفاهم وارتياح من الطرفين، أو قد يكون لرضوخ طرف لسطوة الطرف الآخر. فاستقرار العلاقة قد لا تعني كونها علاقة صحية ومتوازنة.
فالعلاقات الطبيعية والسليمة هي التي يكون الطرفان مستفيدين منها، ويكون كرامتهما ومصلحتهما محفوظة فيها. لأن العلاقات الصحية لا تٌبنى لحساب طرف على آخر. ولكن هذا لا يعني أن جميع العلاقات المستقرة هي علاقة صحية وسليمة، فبعض العلاقات تستقر على غير توازن، فقد يستسلم طرف لآخر إذا كان أحدهما متسلطا أو متحكما. أو أنها تتأرجح بين الاستقرار والاهتزاز طوال الوقت. والذي يُبقي الطرفين متمسكين ببعضهما وجود مصلحة مشتركة تربطهما، أو الخوف من البقاء وحيدا أو وحيدة وخاصة في علاقات الزواج.
إن العلاقات الإنسانية التي تُبنى على الصدق والوضوح وتقبّل الآخر واحترام خصوصياته، من أجمل العلاقات التي يُكتب لها الاستمرار والنجاح. فهي العلاقات المتوازنة التي تسعد الطرفين وتقوي ثقتهما بكونها الملجأ الآمن عندما تعصف بهما الحياة.
وكلمتي الأخيرة هي أنه عندما تكوّن علاقة جديدة فلا تجعله على حساب علاقاتك القديمة المتينة. فلو اتخذت صديقا جديدا أو حبيبا أو زوجا، فلا تجعله محور حياتك كلها، بحيث تضحّي من أجله بكل شيء وكل شخص. لأنه لو انسحب من حياتك، سواء كان ذلك برغبة منه أو لأسباب خارجة عن إرادته، فإن حياتك ستنهار حينها وخيبتك ستكون كارثية.
[1] وقد ذكرنا تلك المراحل في المقالات السابقة.