كن إيجابيا!

قد يكون من الضروري أن نتحدث عن الإيجابية عندما تخيم السلبية على الأجواء، ونتكلم عن التفاؤل بينما معظم ما يحدث في الواقع يدعونا إلى التشاؤم. فقيمة التفاؤل والإيجابية ترتفع عند الأزمات، ويصبح الحديث عنهما حاجة من الحاجات للحفاظ على السلام الداخلي والراحة النفسية. كما يقول إيليا أبو ماضي:

      كن بلسما إن صار دهرك أرقما

                                       وحلاوة إن صار غيرك علقما[1]

ما المقصود بالإيجابية؟

إن معظم ما موجود في الحياة من أمور ومشاغل ومشاكل هي أمور ذات بعدين، بعد إيجابي وآخر سلبي، ويعتمد الجانب السلبي أو الإيجابي على كيفية رؤيتك للأمور، والزاوية التي تنظر منها إليها. ومن الأمثلة المشهورة في هذا الصدد (الكوب نصف الممتلئ)، فالذي يرى نصف الكوب ممتلئا فهو محق، والذي يرى نصفه فارغا هو محق كذلك. فكون الشخص إيجابيا أو سلبيا، يرتبط بطريقة تفكيره بصورة مباشرة.  واختصر جبران خليل جبران ذلك بقوله: “هناك من يتذمر لأن للورد شوكاً، وهناك من يتفاءل لأن فوق الشوك وردة”.

ولا يُقصد بالإيجابية محاولة تزييف الحقائق الموجودة وتجاهل المواقف الصعبة والمؤلمة، أو أن تخدع نفسك. فالمقصود بالتفكير الإيجابي أن تتعامل مع المواقف المزعجة بطريقة أكثر إيجابية وإنتاجية. وترتبط الإيجابية بالتفاؤل وحسن الظن بالله، فتعتقد أن الأفضل سيحدث وليس الأسوأ.

كيف تكون شخصا إيجابيا؟

لا يولد الإنسان وهو إيجابي أو سلبي، بل هناك أمور كثيرة تؤثر في اكتساب تفكير إيجابي أو سلبي. وبما أنها حالة مكتسبة، فيمكننا التحكم فيها أو تغييرها. وفيما يأتي أهم ما يساعدك كي تكون إيجابيا:

  • ابدأ يومك بداية جيدة. إن بداية اليوم تؤثر في يومنا بأكمله، فحاول أن تبدأ يومك بداية جيدة. ونقصد بالبداية الجيدة أن تكون قد أخذت قسطا كافيا من النوم، ثم تفطر فطورا جيدا مغذيا، وكذلك الاهتمام بالنظافة مهم كأخذ حمام سريع وتفريش الأسنان، ولبس الملابس النظيفة والأنيقة. وقد يفضّل بعض الناس أداء بعض التمارين الرياضية، وإقامة الصلاة وتلاوة آيات من القرآن الكريم وقراءة أذكار الصباح. كل ذلك يسهم في جعل صباحك جيدا مفعما بالنشاط مما يساعدك في قضاء يوم مثمر إيجابي بإذن الله تعالى. ومن الأمور المهمة كذلك أن تكون مبتسما، فتعابير وجهك والحركات الجسمية تؤثر على حالتك النفسية كما تؤثر في الآخرين من حولك. فحاول أن تكون بشوشا. لأنه “سيكون يومك مشابهاً للتعبير المرتسم على وجهك سواء، كان ذلك ابتساماً أو عبوسا” كما يقول ستيفن كوفي.
  • كن شاكرا لله. فكّر في النعم التي أنعمها الله عليك وستجد أنّه لا يمكنك إحصاء هذه النعم لكثرتها، ويفيد ذلك في أنه ينسيك همومَك من ناحية، ويجعلك تحمد الله الذي غمرك بمنّه وفضله. وقد حثّنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على مقارنة حالنا بمن هم أسوأ منا كي نكون ممتنين لله سبحانه. فرؤية الناس الذين سُلِبت منهم النعم، يعطينا شعورا بأننا مَلَكنا الدنيا بأسرها، وفي ذلك تذكير بالنعم التي أَلِفناها وكنا نراها شيئاً عادياً. فالتركيز على الإيجابيات الموجودة سواء في حياتك بصورة عامة أو في جانب من جوانبها، يجعلك أكثر إيمانا بالله تعالى وامتنانا له وثقة بنفسك وحياتك.
  • اسأل نفسك أسئلة جيدة. إن الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا تحدد حالتنا الذهنية، فمثلا عند مرورنا بتجربة سيئة، لو طرحنا على أنفسنا أسئلة مثل:(لماذا حدث لي هذا؟)، أو (لماذا حدث لي ولم يحدث لغيري؟)، أو (لماذا أقع دائما في مثل هذه الأخطاء؟) مثل هذه الأسئلة لن تفيدنا فحسب بل تجعلن ألمنا يزيد. ومن الأسئلة الجيدة التي علينا أن نطرحها على سبيل المثال لا الحصر: (ماذا أتعلم من هذه التجربة؟) و(كيف يمكنني التغلب على هذه المشاعر السلبية؟)، و(ماذا أفعل كي لا أقع في مثل هذه الأخطاء مرة أخرى؟)، وغيرها من الأسئلة التي تساعدك في النظر إلى الموضوع بمنظار آخر وكي تخرج من التجربة بنجاح.
  • ركز على الحل ولا تركز على المشكلة. عندما يواجه الشخص الإيجابي مشكلة ما، فإنه يركز على إيجاد حل لتلك المشكلة، وبهذا التركيز يستطيع تجاوز المشكلة بإيجاد حلول عملية لها. أما صاحب التفكير السلبي فإنه يركز على المشكلة وسبب حدوثها وتأثيراتها السلبية عليه وعلى حياته. وكل ذلك لا يزيده إلا شعورا بالحزن والتعاسة. ويمنعه من إيجاد الحلول. فتفكيره السلبي يجعله يستسلم للمشكلة، لأنه لا يسعى للحل. فكما يقول ديل كارنيجي “الإيجابي لا تنتهي أفكاره، والسلبي لا تنتهي أعذاره”. واعمل على تحويل المحاولات الفاشلة والمشاكل التي تواجهها لتحقيق هدف ما إلى دروس تستفيد منها في محاولاتك المقبلة.
  • اتبع نمط حياة صحي. إن أسلوب الحياة الذي تتبعه بصورة دائمة، يؤثر إلى حد كبير في طريقة تفكيرك. وكما يقولون فإن “العقل السليم في الجسم السليم”. فتناول الغذاء الصحي والمتوازن مع ممارسة الرياضة بصورة منتظمة يعطيك جسما نشيطا سليما. وهناك دراسات كثيرة تشير إلى ازدياد الشعور بالسعادة والمزاج الجيد والتفاؤل عند الذين يمارسون الرياضة بانتظام، أو يمارسون أي نشاط بدني محبب لديهم. لأن ممارسة الرياضة اليومية تخلصك من التوتر والضغط النفسي الذي تتعرض له نتيجة الأعمال اليومية وكثرة المسؤوليات.
  • صاحب الإيجابيين. إن مصاحبة الإيجابيين ترفع من معنوياتك، وتساعدك على أن تكون إيجابيا. والعكس صحيح كذلك، فمصاحبة السلبيين، في أغلب الأحيان، تؤثر فينا تأثيرا سلبيا. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”[2] فالإيجابية والسلبية مُعديان، ويؤكد ذلك سيجموند فرويد بقوله “الإيجابية معدية، فأصدقاؤك السلبيون سيزيدونك تشاؤما، والإيجابيون سيزيدونك تفاؤلا”.

إن التفكير الإيجابي يدعونا إلى التفاؤل، ويحسّن من حالتنا المزاجية ويقوي إيماننا برب العالمين بحسن الظن به. كما أنه يعطينا ثقة أكبر بأنفسنا. فضلا عن أنه يبعدنا عن بعض الحالات النفسية السلبية والأمراض مثل القلق المفرط والاكتئاب. فإذا أردنا أن نرى جمال الحياة ونستمتع بها علينا أن نكون إيجابيين، فكما يقول مصطفى السباعي: “إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود، لرأيت الجمال شائعاً في كل ذراته”.

[1] أرقما: (أرقم) ذَكر الحيَّاتِ أو أخبَثُها. و(العلقم) كلُّ شيء مُرّ.

[2] رواه أبو داود والترمذي.

Advertisement

One Comment Add yours

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s