كن سعيدا!

إن الوصول إلى السعادة حلم كل شخص وأقصى غاياته. فيبذل كل ما يملك من أجل الحصول عليها. ويتساوى في ذلك جميع البشر باختلاف أجناسهم وأعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم. ولكن رغم ذلك هناك القليل من الناس يستشعرونها. ولا علاقة لذلك بكون الشخص غنيا أوفقيرا، متزوجا أو أعزبا، متعلما أو غير متعلم، مشهورا أو شخصا عاديا، يعيش في دولة متقدمة أو في دول العالم الثالث.

إن موضوع السعادة موضوع متشعب وله أبعاد فلسفية، سأحاول الابتعاد قدر الإمكان عن الجانب الفلسفي والنظري منه. ومع أنه من الصعب التحدّث عن موضوع عميق ومعقد بصورة مبسطة ومختصرة، إلا أنني سأحاول تناول الموضوع في خطوات عملية يمكن تطبيقها في الحياة اليومية.

ما السعادة؟

لابد أن أوضح المقصود بالسعادة في بداية الأمر، ونفرق بينها وبين الفرح والسرور. فالسعادة شعور دائم من الطمأنينة والراحة النفسية يصاحب الشخص معظم الوقت، ويكون نابعا من الشخص ذاته. بينما الفرح شعور مؤقت قد يستمر لأيام أو أسابيع وقلما يتجاوزها. ويرتبط بأحداث أو أشخاص أو إنجازات مادية أو معنوية، فيأتي من خارج الإنسان.

ويخلط كثيرون بين السعادة والفرح فيربطون سعادتهم بأشياء مادية، فيسعون إلى جمع ما يمكنهم من مال وأملاك وماركات، أو قد يسعون لتحقيق إنجازات معنوية، أو الحصول على شهادات علمية، ظنا منهم أن هذه المكتسبات هي التي تحقق لهم السعادة التي يرجونها. ومع أن هذه الأشياء تدخل الفرح إلى قلوب أصحابها بصورة مؤقتة، غير أنها لن تجعلهم سعداء.

ويرى توني روبنز، المدرب الأمريكي المشهور، أن السبب الرئيس لتعاسة كثير من الناس، يعود إلى الهوة الموجودة بين الحياة الواقعية للشخص وما رسمه في مخيلته في الماضي. فالذي كان يتخيل الحصول على وضع مادي مريح، يشعر بالحزن إذا ما كان يعيش ضائقة مالية في الوقت الراهن. وكذلك الذي كان يتصور أنه سيبقى محافظا على جسم رياضي رشيق في السابق، سيشعر بالتعاسة إذا ما أصبح سمينا وفقد لياقته البدنية. وهذا ينطبق على بقية جوانب حياة الشخص الروحية والعلمية والمادية والمهنية والأسرية والاجتماعية.

كيف تكون سعيدا؟

لكي تكون سعيدا في حياتك هناك أمور عليك الالتزام بها، ترتبط بعض هذه الأمور بطريقة تفكيرك، بينما تتعلق بعضها الآخر بنمط حياتك. ومن هذه الأمور:

  • تقرّب إلى خالقك. إن الله عزّوجل خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه، وهذه الروح لن ترتاح أوتطمئن دون تواصل مستمر مع خالقها، لذا فرض الله علينا خمس صلوات في اليوم. فكلما كان الإنسان قريبا من ربه كلما شعر بسعادة أكبر تغمر حياته، وتُشعِره بالراحة والطمأنينة. وهناك طرق كثيرة للتقرب إلى الله سبحانه بأداء الفرائض والنوافل، والابتعاد عن المعاصي وكل فعل وقول منهي عنه.
  • كن نشطا. إن الحركة البدنية تشعرنا براحة نفسية كبيرة. فكلما تحرك الجسم ونشط ارتاحت النفس. وفي يومنا هذا، أصبح معظم الأعمال والوظائف خاليا من الحركة، علاوة على توفر وسائل النقل والمواصلات، مما أدى إلى ارتفاع مدة جلوس الشخص وانعدام حركته. لذا من الضروري إدخال الرياضة في روتينك اليومي. ومن الأفضل أن تختار الألعاب والرياضات التي تهوى ممارستها، لأنك ستستمتع بها أكثر، وتُبعد عنك الملل والضجر.
  • التزم بنمط حياة متوازن. إن اتباع نمط حياة متوازن سبب من أسباب الحياة السعيدة. فالتوازن بين الروح والجسد والعقل والقلب مطلوب لتشعر بالراحة. ولا نقصد بالنمط المتوازن بأن يكون التوازن كاملا، فلا وجود لمثل هذا النوع من التوازن في الحياة الواقعية. ولكن المقصود بالتوازن هنا أن لا تهتم بجانب على حساب جانب آخر أو الجوانب الأخرى. فعلى سبيل المثال لا يمكنك أن تشعر بالسعادة إذا كنت مليونيرا ولا تملك أسرة متماسكة وأصدقاء مخلصين تشاركهم الأفراح والأحزان. وبسبب هذا نرى كثيرا من مشاهير هوليود يعانون من الاكتئاب مع أنهم يتمتعون بالشهرة والشعبية ويملكون أموالا طائلة.
  • كن راضيا. من المهم أن تكون قنوعا راضيا بما وهبك الله سبحانه. ولا يعني الرضا هنا، الاستسلام والخنوع لما تستطيع تغييره أوتحسينه في حياتك، وإنما يتقبل الشخص ما لا قدرة له على تغييره من أمراض مزمنة وعاهات أبتلي بها ولا علاج لها. أو أحداث لا يستطيع فعل شيء حيالها مثل مفارقة الأحبة.
  • قدّر ما تمتلكه. بعض الناس لا يشعرون بأهمية ما يمتلكون والنعم العظيمة التي وهبها الله سبحانه لهم، إلا عندما يخسرونها. فعليك أن تقدر ما تملك وتهتم به، لتحافظ عليه من الضياع. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تملك أصدقاء مخلصين، عليك أن تهتم بهم وتسأل عنهم وتزورهم. وعليك أن تقدّر ما تأكله مهما كان بسيطا في زمن يموت الناس جوعا. وأن تحمد الله عندما تعيش في الأمان في بلدك، لأن هناك أناس آخرون يفقدونه.
  • كن إيجابيا. إن التركيز على الجوانب الإيجابية لكل ما يحيط بك، وللتجارب المؤلمة التي تخوضها، يجعلك ترى الأمور بمنظار آخر، فلن تشعر حينها بالألم لأنك وقعت ضحية هذه التجارب. فضلا عن أن هذا التركيز يجعلك ترى في الأحداث المريرة فرصا لتعلمك وتنميتك.
  • استمر في النمو والتطور. إن الوقوف عند نقطة معينة هو موت بطيء وانتهاء لحياتك ولو كنت لازلت على قيد الحياة. فالنمو حاجة من الحاجات الإنسانية التي لابد من سدها. فكن طموحا كي لا تنطفئ شعلة الحماس في داخلك. واعمل على تطوير نفسك، عن طريق وضع أهداف بعيدة المدى في جميع جوانب حياتك، إلى أن تصبح حياتك التحفة الفنية التي رسمتها في مخيلتك.
  • تصدّق. إن العطاء من أهم أسباب السعادة، فلا شيء يُسعدنا مثل إدخال السرور إلى قلوب الآخرين. والصدقة لا تشمل إنفاق المال فحسب. بل يمكننا مساعدة الآخرين وإرشادهم نحو العمل النافع بما نملكه من خبرات، أو بنشر العلم والمعرفة لمن يحتاجون تعلمها، أو بالصلح بين الناس، أو بتخفيف آلام الآخرين ولو بكلمة طيبة أو مزحة. وأسهل أنواع العطاء “التبسُّم” فـ “لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق”. فأبواب العطاء واسعة جدا لا يمكن حصرها في الماديات دون غيرها، وعلى أناس دون غيرهم، فكل شخص يستطيع أن يقدم شيئا يخدم به الآخرين.

إن الله سبحانه وتعالى عندما خلقك، لم يجعل مفتاح سعادتك في عهدة غيرك، بل جعل جميع أسباب سعادتك في متناول يديك. لذا ولا تحمل الآخرين مسؤولية سعادتك أو تعاستك. ولا تربط الشعور السعادة بمرحلة عمرية دون أخرى، أو بتواجدك في مكان دون آخر. فلا تبحث عن السعادة بعيدا، فهي في داخلك أنت.

Advertisement

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s