الهجر الجميل

عندما نبدأ أية علاقة سواء كانت علاقة شخصية أو علاقة عمل، فنحن نبدؤها وكلنا أمل باستمرارها ونجاحها. ولكن الواقع يقول أنه ليس جميع العلاقات يُكتب لها الدوام وتتكلل بالنجاح. فقد تصاحب شخصا لأعوام، ولكن يأتي يوم وتفترقان. أو قد تعيش حالة حب أو زواج مع الذي تظنه توأم الروح، ثم تنتهي علاقتك به بصورة صادمة. وقد تخدم في شركة لمدة طويلة، ثم يتم الاستغناء عنك بصورة غير متوقعة. أو قد تشترك في عمل مشروع مع شخص موثوق، ثم تنتهي الشراكة بالفشل.

لن نتحدث في هذا المقال عن أسباب فشل العلاقات الشخصية أو المهنية، لأن أسبابه كثيرة جدا. وقد نخصص مقالا منفردا حولها، غير أن السبب الرئيس الذي يقف وراء انتهاء كثير من العلاقات، هو أن أحد الطرفين لا يجد ما يتوقعه من العلاقة، فيكون ذلك سببا لشعوره بالخيبة والإحباط، فلا يجد أي طائل وراء استمرار تلك العلاقة، لذا يحاول فك الارتباط مع الطرف الثاني.

إن انتهاء أية علاقة هو اعتراف مؤلم بفشلها. وكلما كانت العلاقة عميقة وطويلة الأمد، كلما كان الفراق أكثر صعوبة وإيلاما. لأن جميع العلاقات التي ندخلها، نغوص فيها بمشاعرنا وأحاسيسنا، فيكون الفكاك منها مؤلما. وهذا الألم قد ينعكس على كلامنا وتصرفاتنا تجاه المقابل. والغضب يكون حاضرا بقوة في المرحلة الأولى للهجر، سواء كان غضبنا من أنفسنا أو من المقابل. وفي بعض الأحيان، يتحول الغضب إلى الحقد والكراهية، والعياذ بالله، إن لم نسيطر عليه. فإذا رأيت عدم جدوى علاقة من العلاقات وقررت الهجر، فليكن هجرا جميلا ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ المزمل:10.

كيف تهجر هجرا جميلا؟

لو أردت أن يكون هجرك جميلا فهناك أمور تساعدك على تحقيق ذلك، ومنها:

  • تذكر فضل المقابل. إذا كان عليك أن تتذكر فضل المقابل لتستمر العلاقات الشخصية، فكذلك عليك أن لا تنسى هذا الفضل، أو أي شعور جميل جمعك به، عندما تفترق عنه.
  • كن أمينا. لكل علاقة شخصية أو مهنية خصوصياتها. فحافظ عليها وعلى كل ما لديك من أسرار وذكريات، سواء أردت الاحتفاظ بها أو التخلص منها. وقد تكون عالما بنقاط ضعف ذلك الشخص أو الشركة التي كنت تعمل بها أكثر من غيرك. فلا تحاول استغلال ذلك للإضرار بهما.
  • كن منصفا. من المهم أن تكون منصفا مع المقابل لو فشلت علاقتكما، حتى لو كان الطرف المقابل سببا في هذا الفشل. فإذا ما سألك أحد عن الشركة التي فصلتك عن العمل، أو عن الزوج السابق أو الزوجة السابقة، أو صديقك الذي هجرته أو هجرك، فقل رأيك بكل إنصاف بغض النظر  عما آلت إليه علاقتك معه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ المائدة: 8
  • ابتعد عن كل ما يؤذي المقابل من قول أو فعل. إن مشاعر الغضب والحنق التي تصاحب الهجر تجاه الطرف الآخر، تجعلنا نضمر له السوء في بعض الأحيان، ونقتنص الفرص للانتقام منه. تخلص من هذه المشاعر السلبية، فهي تؤذيك أكثر مما تؤذي المقابل. ويستدعي ذلك أيضا ترك أي شعور بالفضول في مراقبته وتتبع أخباره وتصيّد أخطائه، سواء كان ذلك بصورة حقيقية أو افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي.
  • لا تقاطع نهائيا. من معاني الهجر الجميل هو الهجر دون مقاطعة، كما يقول الدكتور عمرعبد الكافي. فمن الأفضل أن تُبقي على خيط رفيع فيما بينكما. فالصديق الذي انتهت علاقتك به يمكنك أن ترسل له بطاقة تهنئة أو تتصل به في الأعياد. والقريب الذي هجرته، يمكنك زيارته والاطمئنان عليه عندما يكون مريضا وهكذا.
  • ادعُ له. من أجمل ما يمكنك فعله هو أن تدعو لشخص جمعتك به علاقة عمل أو صداقة أو مشاعر طيبة في يوم من الأيام. فإذا هجرته فادع له بالخير والتوفيق في حياته. والدعاء عادة يكون نابعا من القلب لا رياء فيه، فهو بينك وبين الله ولا أحد يعلم به. فهو تعبير عن طيبة قلبك ونقاء سريرتك.

إن الهجر الجميل يعبر عن نُبل صاحبه، ونضجه ورقيّه. وهو من أجل الحفاظ على السلامة النفسية وراحة البال من أجله هو قبل أن يكون من أجل المقابل. وكما يقول نيلسون مانديلا:”إن الذي يحمل الحقد والضغينة في قلبه، كأنه يشرب السم ويتمنى أن يموت عدوه”. وفي النهاية فكيفية البدء والتعامل في العلاقات الإنسانية وطريقة إنهائها تعتمد على خلق صاحبها. فكن جميلا في هجرك كما كنت جميلا في وصلك.

Advertisement

2 Comments Add yours

  1. Moyat says:

    “فكن جميلا في هجرك كما كنت جميلا في وصلك. ”
    كلماتك لامستني كثيراً ، فيها نقاء و مشاعر يتمنى أي شخص أن يمتلك هذا النوع من المصداقيه و التعامل و الرقي مع البشر
    فعلاً لابد أن نتعلم كيف نهجر هجراً جميلاً بلا ضغينة نسمم فيها أبداننا ..
    يعتقد الأغلبيه أنها حرب لابد أن ينتصر فيها ، وليست أخلاق يتخلق بها ..
    شكراً لحروفك وشكراً لطرحك موضوع يمس الجميع ..
    دمتي بخير وسعادة ..

    Liked by 1 person

    1. أشكر لك مرورك الطيب وتعليقك الجميل على المقال. علينا أن نلتمس الجمال في كل شيء،
      فإن (الله جميل يحب الجمال)…

      Liked by 1 person

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s