الانطباع الأول

إن الانطباع الأول  First Impression يؤدي دورا مهما في تكوين العلاقات، سواء كانت علاقة عمل أو صداقة أو زواج. ويحدث هذا الانطباع بسرعة البرق. فبمجرد أن تلمح الشخص تبدأ بتكوين صورة ذهنية عنه. وتتكون هذه الصورة الذهنية خلال ثوانٍ معدودة. وقد تعود سرعة تكوينها إلى وجود أنماط ثابتة من الشخصيات مرسومة في أذهاننا، نتيجة خبراتنا الحياتية المتراكمة عبر السنين. فعندما نرى شخصا بعينه، نضعه، بصورة لا إرادية، في نمط من الأنماط التي مرت علينا وقامت أدمغتنا بخزنها.

للحواس أهمية كبيرة في رسم الانطباع الأول. فإن ما نراه في شكل الشخص وهيأته وما نشمّه ونسمعه منه، يؤثر في الانطباع الذي نأخذه عنه. والذي يبدو للعيان هو وجه الشخص وجسمه وملابسه وتسريحة شعره وحركات جسمه وتعابير وجهه. وإذا تكلم فإن لصوته ونبرته وكلماته وأسلوب حديثه تأثير في تكوين هذا الانطباع.

تكمن أهمية الانطباع الأول في أنه قد يكون الانطباع الأول والأخير.  فكما يقال: “لن تحصل أبداً على فرصة ثانية لتعطي عن نفسك انطباعاً أول”. فبعض اللقاءات لن تتكرر، إذا لم تنجح في إعطاء انطباع أول إيجابي. ومثال ذلك ما يحدث للمتقدمين للعمل ومندوبي المبيعات، وكذلك الخاطب الذي يتقدم للخطبة من أجل اختيار شريكة الحياة. فيكون لدى هؤلاء فرصة واحدة على الأغلب، ليتركوا انطباعا جيدا في نفس المقابل. فوفقا لذلك الانطباع سيقرر المقابل الانتقال إلى الخطوة الثانية في المشروع الذي يجمع الطرفين.

لا يوجد اختلاف في وجود الانطباع الأول، ولكن يوجد تباين في مدى صحة هذا الانطباع ودقته. فقد تقابل أحدهم لأول مرة وهو يمر بحالة مزاجية سيئة مؤقتة، وكلامه وحركاته الجسمية لا يعوّل عليهما للخروج بانطباع دقيق عنه. لهذا تتغيّر نظرتنا لبعض الأشخاص عندما تتسنى لنا فرصة تكرار لقائهم أو معرفتهم بعمق. ولكن أعتقد أننا نستطيع أن نركن إلى الشعور بالراحة من عدمه من الانطباع الأول. وقد يكون هذا هو سبب ادّعاء بعضهم “الوقوع في الحب من النظرة الأولى”. أو قد يحدث ارتباط لشخص بالصورة التي رسمها لمحبوبه في خياله. فكما يقول أحدهم:

رأتك عيناي فسقطت في هواك             أحقيقة أنت أم صورة في خيالي

فمع استبعادي لوجود هذا النوع من الحب، إلا أنني أؤيد بشدة وجود الارتياح النفسي لشخص ما من النظرة الأولى، والذي يشجعنا بدوره على المضي قدما في التقرب منه والدخول في مرحلة جديدة من العلاقة سواء كانت في المجال الشخصي أو المهني.

كيف تعطي انطباعا أولا جيدا؟

نحن نعطي انطباعا أولا ونأخذه عن كل من نقابله لأول مرة شئنا ذلك أم أبينا، وليس من السهل أن نستعد لمثل هذه المقابلات، إلا إذا كنا نعرف بها مسبقا. وسواء كانت المقابلة قد خُططت لها أم كانت دون تخطيط، فهناك أمور تؤثر في ترك انطباع جيد لدى الآخرين، بعضها تبدأ حتى قبل خروجك من المنزل. وبصورة عامة هناك الأمور تساعدك على ترك انطباع جيد، ومنها:

اهتم بنظافتك الشخصية ورائحتك. إن المحافظة على النظافة الشخصية والرائحة الطيبة من أهم ما يجعلك تعطي انطباعا جيدا للمقابل. وقد لا تحتاج إلى وضع العطور إذا كانت تفوح منك رائحة النظافة. ولبس الملابس النظيفة أيضا يؤثر في إعطاء انطباع إيجابي للمقابل.

تأنق في ملبسك ولكن لا تبالغ فيه. من المهم أن تكون ملابسك مرتبة وأنيقة، ومناسبة للمكان الذي تذهب، ولكن لا تفرط فيها وفي وضع الاكسسوارات والمساحيق. فما تلبسه للدوام يختلف عما تلبسه للتسوق أو للجلسات الودية أو الحفلات. فنستطيع القول أن اللبس المناسب للمكان المناسب.

تصرف بعفوية وكن كما أنت، وابتعد عن التمثيل وتقليد تصرفات الآخرين. لكل منا شخصية مختلفة تظهر جلية في طريقة كلامنا وحركاتنا الجسدية وتعابير وجهنا، حافظ عليها كما هي، ولا تحاول أن تقلد أسلوب أحد أو حركاته مهما كنت معجبا بشخصيته.

كن بشوشا. إن البشاشة وطلاقة الوجه تُضفي جمالا على ملامحك وبساطة في طبعك، والابتسامة الدافئة تجعل المقابل مرتاحا للحديث معك. وهذا الارتياح هو أول خطوة لبناء علاقة ناجحة سواء على المستوى الشخصي أو المهني.

انظر إلى المقابل عندما يتحدث إليك. التواصل البصري مهم جدا عند التحدث مع المقابل، ولكن لا تنظر أو تطيل النظر في المقابل عندما لا تتحدث معه، لأن ذلك يعطي المقابل شعورا بعدم الارتياح معك وينظر إليك بعين الشك والارتياب.

استمع إلى المقابل باهتمام. إن الاستماع الجيد مهم لبناء علاقة متينة. والاستماع الجيد يتوجب عدم الانشغال عن المتحدث بأي شيء آخر سواء كان الرد على الرسائل على الموبايل أو اللعب بمفتاح السيارة أو السبحة أو غير ذلك.

انتقِ كلماتك وأسلوب حديثك وتحكم في نبرة صوتك. إن أول ما يثير انتباه المقابل بعد مظهرنا هو ما نتفوه به. فاستعمال كلمات الترحيب والتوديع والتحدث بنبرة هادئة وعميقة، يعطي انطباعا عن مدى ثقتك بنفسك، فضلا عن أنه يترك شعورا جميلا في نفس المستمع.

ركز في حديثك عن النقاط المشتركة مع المقابل أو اهتماماته، ولا تحاول أن تفرض الموضوعات التي تقلقك أو تثير اهتمامك، وابتعد عن الحديث حول حياتك الشخصية إذا لم يسألك المقابل عنها.

وأخيرا، لو أردت أن تترك انطباعا جيدا سواء كان أولا أو أخيرا، فلابد أن تهتم بنفسك وبثقافتك وبشخصيتك، عليك أن تعمل على تهذيب نفسك وتطويرها وتوسيع مداركك، وأن تؤدّب نفسك على أن تكون إنسانا بكل معنى الكلمة. فالشكل والمظهر قد يثيران إعجاب المقابل لأول وهلة، ولكن بقاء هذا الإعجاب مرهون بأسلوب تعاملك معه. وقد صدق البستي عندما قال:

          أقبِلْ على النفس فاستكمل فضائلها      فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

Advertisement

2 Comments Add yours

  1. Moyat says:

    أحببت كل حرف كتبتة ، مميز اسلوبك دائماً في مواضيع تشد القارئ لها .. فعلاً لكل منا له نظرته الخاصة في الأنطباع الأول ، و ما يحزن حقاً هو من يظلم نفسه و يظلم جوهره با الظهور با الطريقه التي تليق به ..
    سلمت يداك عزيزتي 🌷💐
    ودمتي لنا بخير .. يومك سعيد 💕🌷

    Liked by 1 person

    1. شكرا جزيلا لكلماتك الطيبة، أرجو من الله أن أكون عند حسن ظن متابعني المدونة… مع التقدير

      Liked by 1 person

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s