إن العلاقات الإنسانية بطبيعتها لا تبقى على وتيرة واحدة، فكلما طال أمد العلاقات كلما مرت بالمشاكل والمصاعب. فبناء العلاقات كزرع النباتات، تبدأ نبتة صغيرة رقيقة في بدايتها، ثم تنمو وتزدهر إما لتكون شجرة قوية يصعب على أقوى الأعاصير اقتلاعها، أو قد تبقى ضعيفة واهنة إلى أن تعصف بها الرياح وتكسرها مع أول هبوب لها.
فعندما تتعرف على شخص من الأشخاص وتكوّن معه علاقة سواء علاقة شخصية أو مهنية، فإن كل منكما يفتح حسابا عاطفيا لدى الآخر، مثله مثل الحساب المصرفي الذي تودع فيه أموالك، غير أن الثقة هي ما يودعها الشخص في الحساب المصرفي العاطفي عند الآخر.
إن صاحب كتاب “العادات السبع لأكثر الناس فاعلية” ستيفن كوفي هو الذي طرح فكرة الحساب المصرفي العاطفي Emotional Bank Account، وكيف أن التعامل بنجاح يعتمد بشكل كبير على ما أودعته لدى الآخر في حسابك العاطفي عنده. فلو كان رصيدك مرتفعا لديه لن تتدهور علاقتكما بسهولة، لأنك وإن كنت تسحب من رصيدك فإنه لن يتأثر بهذا السحب، وذلك لارتفاعه.
ويرى كوفي أن الحساب العاطفي مثل الحساب المصرفي الحقيقي، تستطيع زيادة رصيدك فيه والسحب منه كذلك. وقد تصل إلى حد الإفلاس، أو تكون مدينا للمقابل، إذا ما سحبت منه باستمرار دون إيداع. فحاول أن يكون ما تودعه في هذا الحساب أكثر من سحبك منه، إذا أردت أن تحتفظ بعلاقة قوية طويلة المدى.
كيف ترفع رصيدك العاطفي؟
يرى كوفي أن هناك ست طرق لرفع الرصيد العاطفي وهي:
- فهم المقابل: شعور جميل أن نشعر أن من نحبهم ونهتم بأمرهم يتمكنون من سبر أغوار نفوسنا وفهمنا، ولكن قبل أن نسعى لأن يفهمنا المقابل، علينا أن نجتهد في فهم المقابل. ونستطيع بحق فهم المقابل إذا استطعنا أن نتجرد من الآراء المسبقة عنه، والاستماع الجيد لما يقوله وما لا يقوله. ويعد ذلك بمثابة الدفعة الأولى التي تضعها في حسابك بعد فتحه.
- الوفاء بالوعود: لبناء علاقة شخصية قوية، من الضروري أن تفي بوعودك مهما كانت الظروف. فكلما التزمت بما وعدت به المقابل، كلما ارتفع رصيدك لديه. والعكس صحيح كذلك. فيعد الإخلاف بالوعد الذي أعطيته، سحبا كبيرا لرصيدك عند المقابل. ولا يمكن أن تبنى الثقة مع المقابل دون تحقيق ما تعده به. وهذا لا يعني أن نتجنب إعطاء الوعود بصورة نهائية، كي نعفي أنفسنا من مغبة عدم تحقيقها. بل اعطِ الوعود والتزم بها وافعل كل ما في وسعك لتحقيقها.
- توضيح التوقعات: لا يوجد شيء أكثر إحباطا في العلاقة من عدم فهم ما هو متوقع منك. لأن كل واحد منا يرى الحياة بشكل مختلف ولديه خلفيات ثقافية وخبرات حياتية مختلفة، فمن غير الواقعي أن تتوقع أن يفهم المقابل توقعاتك من تلقاء نفسه ودون تقديم أي توضيح من قبلك. وهذا التوضيح كفيل بأن يجعلهم يتواصلون معك بثقة، لعلمهم أن ما يفعلونه يتماشى مع توقعاتك.
- المبادرات الصغيرة: إن المبادرات الصغيرة لها تأثير كبير على تقوية العلاقات الشخصية، كما أن الأخطاء الصغيرة تتراكم ليصبح حجمها كبيرا، كذلك المبادرات الطيبة واللطيفة تجتمع في رصيدك يوما بعد يوم، ليرتفع عند المقابل. والمقصود بالمبادرات البسيطة على سبيل المثال وليس الحصر كلمة لطيفة أو ابتسامة دافئة أو المبادرة بإلقاء التحية، أو إرسال رسائل صباحية أو مسائية وغير ذلك مما تبادر به من تهتم به دون أن تُسأل.
- النزاهة الشخصية: قد لا يضر أي شيء بالعلاقة مثل انعدام النزاهة. وبما أن حساب البنك العاطفي مبني على الثقة، فإنه مهما فعلت للمقابل وقدمته له، فإن كل ذلك لا يعد ذو قيمة مادامت الثقة معدومة. والمقصودبالنزاهة هنا هو مطابقة أقوالك لأفعالك، وأن تحترم الناس في غيابهم كما تحترمهم في حضورهم، وتدافع عنهم في غيابهم، فتكون منصفا حتى مع الذين لا يحبونك ولا تحبهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة:8.
- الاعتذار بصدق: إن الاعتذار عن الخطأ هو أقل ما تقدمه لشخص إذا أخطأت في حقه. فكلنا معرضون للوقوع في الخطأ سواء تعمدنا ذلك أم لا. ويأتي الاعتذار تعبيرا عن آسفنا عن قول أو فعل بدر منا. والاعتذار ليس مجرد قول “أنا آسف”، أو “أنا أعتذر”، بل لابد أن يكون تعبيرا صادقا عن شعورنا بالأسف والندم نابع من القلب. والاعتذار بالصدق يستدعي عدم تبرير الخطأ بأي شكل كان، بل الإعتراف به فحسب ومحاولة تحمُّل نتائجه المادية والمعنوية.
وفي الختام فإن الشعور بالتآلف مع المقابل قد يتولد بساعات أو أيام معدودة، غير أن بناء الثقة مرهون بالزمن. فلا يمكن أن تُبنى الثقة في العلاقات الشخصية بين عشية وضحاها، لضرورة مرورها بالمواقف المختلفة، كي يصبح الرصيد العاطفي كبيرا وتتحول العلاقة إلى ملاذ آمن في نهاية المطاف.
المقال رائع واختيار الموضوع جميل لكني لاحظت وجود نظرتك او اراءك في الموضوع قليل قياسا لما جئت به من اراء ستيفن كوفي وان كان الربط جيدا ، ارجو لك التوفيق المستمر
LikeLiked by 2 people
شكرا لمرورك الطيب ومتابعتك المستمرة وملاحظتك القيمة. وكما تعرف فإن طبيعة المقال هي التي استدعت قلة إبداء الرأي، فضلا عن اتفاقي مع معظم ما ورد عن ستيفن كوفي.
LikeLiked by 1 person