مع بداية كل عام جديد، نلاحظ ازديادا ملحوظا في عدد المتدربين في صالات الرياضة، وبصورة خاصة في الأسابيع الأولى. وقد لا يكون هذا حصرا على مكان دون آخر، أو دولة دون أخرى. فبداية العام الجديد تُغرينا وتحمّسنا، لنقوم بعمل تغييرات نراها ضرورية في حياتنا، ونكون عادة قد ترددنا في البدء بها وسوّفناها مرات عدة، أو قد نكون جربناها فعلا، غير أننا لم نحقق النتائج التي نصبو إليها. فيكون مجيء العام الجديد بارقة أمل في أن نبدأ من جديد، مادام العام سيرتدي حلته الجديدة.
ووفق الإحصاءات، كما يدّعي توني روبنس، فإن 95% من الذين ينتظرون بدء العام الجديد، ليقوموا بتنفيذ خططهم، والعمل على التغييرات التي يريدون القيام بها في حياتهم، عادة يستسلمون في منتصف شهر يناير. فبعد مرور أسبوعين من تنفيذ الخطة، يبدأ حماسهم بالانطفاء وعزمهم بالتراخي.
إن عمل التغييرات التي نراها ضرورية في حياتنا، لا يحتاج منا إلى انتظار بدء العام الجديد، ولا أن ننتظر بداية الشهر أو حتى الأسبوع. وإنما يحتاج منا فقط إلى الاستعداد النفسي والذهني للبدء به. ومتى ما كنا مستعدين له ومقتنعين بضرورة القيام به، فليس لنا إلا الإسراع في التنفيذ، وكلما أبكرنا بالبدء لكان أفضل. فانتظار الوقت المناسب مضيعة للوقت، لأن مثل هذا الوقت قد لا يأتي أبدا.
أسباب الاستسلام
توجد أسباب كثيرة للاستسلام، ومن هذه الأسباب:
- الملل والضجر. إن كثيرا من الأهداف التي نريد تحقيقها تحتاج منا مدة زمنية قد تصل شهورا وسنوات، مما يدعونا إلى أن نمل من السعي والمحاولة في كل تلك المدة.
- الركون إلى الراحة. بعض التغييرات تحتاج منا إلى تغيير بعض من عاداتنا، التي نكون قد كبرنا عليها، وتغييرها يجعلنا نصرف جهدا نفسيا وجسديا مضاعفا، لمقاومة العادة القديمة وتبديلها بأخرى جديدة.
- وضع أهداف غير واقعية وارتفاع سقف التوقعات. عندما نخطط لعمل تغييرات في نمط حياتنا، نتوقع أن نرى نتائجها بسرعة. فعلى سبيل المثال، عندما نبدأ بعمل تغيير في نمط غذائنا ونبدأ بممارسة الرياضة، فإننا نتوقع رؤية تغيير فيما يقرأه الميزان أو في قياسات ملابسنا، وعندما يأخذ هذا التغيير أكثر من وقته فإننا نصاب بالإحباط ونستسلم.
- وجود الإغراءات والعقبات. بما أن عملية التغيير ليست عملية قصيرة المدى، بل تحتاج إلى جهد متواصل ووقت طويل. خلال فترة التغيير قد نتعرض لإغراءات وعقبات قد تنهك قوانا، وتجعلنا نستسلم لها بعد قليل من المقاومة.
- البدء بأكثر من هدف في آنٍ واحد. إن العمل على أكثر من هدف ممكن، ولكن عندما تكون الأهداف جوهرية وتحتاج منا إلى التركيز، وبصورة خاصة في الأشهر الأولى، يصعب علينا أن نركز على أكثر من هدف في وقت واحد مما يشتت تركيزنا، ويجعل جهودنا تذهب هباء. فمثلا لن يكون سهلا علينا إن لم يكن مستحيلا، أن نبدأ ببرنامج لحفظ القرآن الكريم ولتعلّم لغة أجنبية ولخسارة الوزن معا.
- عدم انطلاق الرغبة في التغيير من الشخص نفسه. قد تكون الرغبة في التغيير نتيجة التأثر بالمحيطين، أو قد تكون مثل صيحات الموضة، نتحمس له في البداية، ثم سرعان ما ينطفئ ذلك الحماس.
كيف تُبقي الحماس مستمرا؟
إن إبقاء شرارة الحماس مشتعلة من أهم عناصر تحقيق الأهداف، فكثير من التغييرات التي نريد القيام بها، نبدؤها ونحن في حالة حماس، ولكن لإبقاء الحماس متقدا طوال رحلة تحقيق الأهداف، عليك مراعاة ما يأتي:
- تأكد من أنك فعلا تريد تحقيق الهدف الذي وضعته لنفسك، وليس لأن غيرك يريد ذلك. لهذا يجب أن تكون غايتك واضحة من تحقيق هذا الهدف بالذات دون غيره.
- لتكن رؤيتك لنفسك ولأهدافك الكبيرة نصب عينيك بصورة دائمة. ويمكنك كتابتها ووضعها في مكان تراه معظم الوقت، أو تستطيع قراءتها يوميا ولأكثر من مرة. لتكون محفزا لك على الاستمرار في طريق الوصول إليها.
- ان تكون مقتنعا بهدفك تمام الاقتناع، وواثقا من نفسك كل الثقة في قدرتك على تحقيق ذلك الهدف. فشكك في قدرتك على تحقيق ذلك الهدف يوهن عزيمتك. ويجعلك تقدم رجلا وتؤخر أخرى طوال الوقت.
- من الضروري أن يكون لديك برنامج عملي وواقعي لتحقيق الأهداف الإجرائية اليومية. فوجود خطة زمنية للعمل على الأهداف بصورة يومية يسهّل علينا القيام بتحقيق هذه الأهداف.
- لا بأس أن تقع نتيجة سقوطك في حفر الإغراءات أو تصطدم بمطبات التحديات، ولكن قم بسرعة وواصل سيرك، ولا تجعل فترة وقوعك تطول، واتركه وراء ظهرك.
- من المهم أن تكون محاطا بمجموعة من الأصدقاء الإيجابين، يحتفون بنجاحاتك الصغيرة، ويدعمون خطواتك، ويقومون بتشجيعك كلما خمدت نار حماسك.
وأخيرا من المهم أن تكون بدايتك جيدة عند القيام بالتغيير. والبداية الجيدة تعتمد على وضوح الرؤية لما تريد تحقيقه، وقناعتك بضرورته، وإيمانك بأنك قادر على تحقيق الهدف، فضلا عن وجود برنامج عملي وخطة زمنية محددة لتحقيقه. لأنه كما يقول المثل الفرنسي “البداية الجيدة تغوي بنهاية جيدة”.