إنّ الشعور بالراحة والسعادة هو غاية كل إنسان. ومن الصعب أن تتحقق هذه الغاية دون الشعور بالأمان. فسعينا الحثيث لتأمين حياة كريمة والحصول على الضمان المادي، وهروبنا من مناطق النزاعات والحروب إلى أماكن أكثر أمنا، وغير ذلك مما نسعى له يزيد من شعورنا بالأمان ويقلل من الشعور بالخوف، سواء كان ذلك في المجال الروحي أو الصحي أو المادي أوالأسري أو غيرها من المجالات. ولأهمية الأمان فإن الله سبحانه يمُنّ بتوفيره لهم وإطعامهم، لأن (الطعام والأمان) من أهم الحاجات الإنسانية ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ قريش:3-4.
إن الشعور بالأمان مع المقابل هو الحجر الأساس الذي يبنى عليه العلاقات الشخصية الناجحة بين الرجل والمرأة. فلن تستمر العلاقة أو تتكلل بالنجاح مادام الخوف حاضرا فيها. والذي لا يشعر بالأمان مع المقابل لا يستطيع أن يثق بوجوده ليتمسك به ويقدم له التضحيات، لخوفه من أنه قد يستغني عنه عاجلا أم أجلا. وقد أبدع فاروق جويدة في تصوير الشعور بالخيبة والإحباط الذي يشعر به الشخص نتيجة إنعدام الأمان:
فالعطر عطرك والمكان هو المكان
لكنني…
ما عدت أشعر في ربوعك بالأمان
شيء تكسّر بيننا…
لا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان
قد يكون الشعور بالأمان مختلفا بين الرجل والمرأة، فأخوف ما تخاف منه المرأة أن يتركها الرجل وتبقى وحيدة، فالشعور بالأمان عندها أهم بكثير من الشعور بالحب. والمرأة التي تشعر بالأمان مع الرجل، لن تبخل عليه بأي شيء. وكما يقول نزار قباني “لا يمكنك ان تكون أكرم من المرأة، إذا أعطيتها الأمان كانت لك موطنا”. فالمرأة تريد أن تشعر بأنها لو وضعت رأسها على كتفه، فلا يوجد إنسان يستطيع أن يؤذيها، لأنها تحت حمايته.
وقد يحتاج الرجل كذلك للشعور بالأمان مع المرأة، غير أنه قد يختلف ما يخاف منه الرجل أو يسلبه الشعور بالأمان عما تخاف منه المرأة. فالرجل يشعر بالخوف عندما تنتقده المرأة انتقادا لاذعا متكررا، ويخاف من تسلّطها وسلاطة لسانها وأن تقيّد حريته.
كيف نُشعر المقابل بالأمان؟
إن الشعور بالأمان من المشاعر التي لا يمكنها أن تقرّ في النفس بين عشية وضحاها، فالشعور بالأمان يرتبط بوجود الثقة المتبادلة بين الطرفين، وهذه الثقة تُبنى مع معرفة المقابل شيئا فشيئا، وهي تحتاج فترة زمنية ومواقف وتجارب لتمر بها وتترسخ في نفس الطرف الثاني ليشعره بالأمان. وهناك بعض الإجراءات التي تساعدنا على إعطاء الشعور بالأمان لمن يرتبطون معنا بعلاقات قوية، ومنها:
- اجعل المقابل في قمة أولوياتك. إن تخصيص وقت جيد (quality time) للمقابل، وإظهار الالتزام تجاهه، وتحمل مسؤولية الجزء المتعلق بك في العلاقة. كل ذلك يؤثر في زيادة شعور المقابل بالأمان.
- ردد للمقابل بأنك لن تتركه أو تستغني عنه مهما صادفتم من مشاكل، فذلك دليل على حرصك في البقاء وعدم الرحيل.
- استمع لمخاوف المقابل وحاول أن تتفهمها. عندما تفتح للمقابل قلبك وتستمع له وتأخذ مخاوفه محمل الجد، فحاول إعطاءه الضمانات التي تشعره بالأمان.
- حقق وعودك الذي تعد بها المقابل، ولا تخلف هذه الوعود مهما كلفك ذلك. وليكن كلامك مطابقا لفعلك. فلا تقل شيئا وتفعل شيئا مغايرا.
- تقبّل المقابل كما هو بمحاسنه ومساوئه في الأمور التي لا يمكن تغييرها بسهولة. ولا تكن مثاليا، إلا إذا كنت تتأذى من بعض العادات السلبية والسيئة.
- كن صريحا وواضحا مع المقابل حتى في الموضوعات الحساسة وغير المريحة. وقد يشمل ذلك مصارحة المقابل بكل ما يقلقك ويؤرق مضجعك.
- لا تنتقد المقابل كلما لم يعجبك منه شيء. فالانتقاد اللاذع والمتكرر تُشعر المقابل بعدم كفايته للطرف الآخر.
- احرص على إيجاد طريقة للتفاهم فيما بينكما. لأن المحاولات المتكررة لإيجاد لغة التفاهم المشتركة وحل المشاكل التي تطرأ فيما بينكما دليل على حرصك على عدم خسارة المقابل.
- اعتذر للمقابل إذا أخطأت في حقه، فالإعتذار لا يقلل من قيمتك، بل يرفع من قدرك أمامه، ويظهرك على أنك شخص مسؤول تتحمل مسؤولية كلامك وأفعالك. فضلا عن أن الاعتذار بحد ذاته دليل على أنك لا تريد خسارة المقابل.
وفي حالات نادرة جدا، قد يقوم الشخص بتقديم كثير مما سبق ذكره للمقابل، ولكنه لا يجد أي راحة أو رضا في تلك العلاقة. فلا داعي لاستخدام الأسلوب غير المباشر والتخويف، وإنما عليه أن يكون جريئا ويقرر إيقاف العلاقة برمتها. وينسحب بكل هدوء وبأسلوب جميل وراقٍ، كما قال تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ البقرة:229.
وأخيرا، فالشعور بالأمان من أثمن ما يمكنك أن تهديه لمن تحبهم والذين تريد البقاء بجانبهم، فلا تكن سببا في جعل الخوف يستوطن قلب هؤلاء، مهما غضبت منهم. فالتلويح بالترك والانفصال أو الزواج من امرأة أخرى، دليل على سهولة استغنائك عن المقابل، حتى لو كان الهدف هو أن يكون ورقة ضغط على المقابل، ليحقق لك ما تصبو إليه. وكما يقول الروائي واسيني الأعرج “إنّ المرأة يسحرها أولًا الأمان الذي يزرعه الرجل من حولها، بعدها كل شيء يأتي من تلقاء نفسه”.
سلمت أناملك دكتورة مقال رائع وواقعي جدا .. أرجو لك التوفيق
LikeLiked by 1 person
مرورك الأروع غاليتي.
LikeLike