أنا أعتذر، سامحني!

كثيرة هي المواقف التي نمر بها ونتمنى لو تمكنّا من محوها من حياتنا، وكثيرة تلك الكلمات التي لفظتها شفاهنا، ونتمنى لو استطعنا إعادتها حيث كانت. لأننا كنا تحت وطأة الانفعال، أو أسأنا الفهم فأخطأنا التصرف، سواء كانت تلك الكلمات أوالتصرفات مقصودة أم لا، فنشعر بالندم عليها ويؤنبنا ضميرنا لحدوثها.

قد يكون الشعور مؤلماَ عندما نتفوه بكلمة تجرح إنسانا تربطنا به علاقة من نوع ما. والشعور يكون أسوأ حينما يكون ذلك الشخص عزيزا علينا، كأحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو زملاء الدراسة أو العمل أو غيرهم. وبما أننا لا نستطيع أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وتغيير ما ندمنا عليه من قول أو فعل، فإن تقديم الاعتذار قد يكون طريقا لإصلاح ما أفسدناه، وجبر ما قمنا بكسره. فتقديم الاعتذار الصادق بادرة حسن نية لدى المخطئ، وبيان لندمه على ما وقع منه.

والاعتذار قد يمسح الخطأ الذي بدر منا، وتطيب النفوس المتأذية عند الاستماع إليه. بل قد يقوي علاقتنا بالشخص الذي أخطأنا في حقه. ولكن في أحيان قليلة لن يستطيع أن يلتئم الجرح الذي تسببنا فيه، خاصة إذا كان الجرح عميقا، والأثر الذي بدر من الخطأ كبيرا. فبعض حالات الاعتذار لن تعيد الوضع كما كان أبدا، حتى لو سامَحَنا من أخطأنا في حقه. لما لبعض الأخطاء من أثر بالغ على نفسية المقابل ومشاعره.

متى نقدم الاعتذار؟

يرتبط تقديم الاعتذار في الغالب بوقوع الخطأ. ولكن هناك بعض المواقف التي تجعلنا نقدم الاعتذار حتى دون أن يصدر منا أي خطأ يذكر. ويحدث ذلك بصورة خاصة مع الذين تجمعنا بهم علاقة عاطفية قوية. فيتأثر الشخص عندما يرى من يحب يتألم، فيقدم الاعتذار كي يخفف عن ذلك الشخص ألمه. فالأم التي يقع طفلها على الأرض تبدأ بالاعتذار للطفل حتى لو لم تكن هي السبب في ذلك. فتقديم الاعتذار يحمل في طياته أكثر من  طلب السماح. فقد نقول (أنا آسف) ونقصد به (أتألم من أجلك) أو (أنا حزين من أجلك) أو (أخاف عليك) أو (أنت مهم بالنسبة لي).

لماذا يصعب علينا الاعتذار؟

إن تقديم الاعتذار ليس أمرا سهلا، وهو دليل على شجاعة الشخص وقوته، فليس كل مخطئ قادر على طلب السماح ممن أخطأ في حقه، وذلك للأسباب الآتية:

  • عندما نقدم الاعتذار فإننا نضع أنفسنا في موقف محرج، فتقديم الاعتذار اعتراف بأننا أخطأنا. ونكون في بعض الأحيان معرضين للانتقاد والهجوم والتجريح، وهذا يجعلنا نتردد في وضع أنفسنا في موقف كهذا.
  • بعض الأخطاء تكون مخزية مهينة، نخجل من الاعتراف بها ومواجهتها. والتحدث عنها يجعلنا نشعر بشعور سيء، لذا نحاول نسيانها وتجنب الموقف ما أمكننا ذلك.
  • قد يمنعنا كبرياؤنا من تقديم الاعتذار، لأننا نرى الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه ضربا من التنازل للمقابل، وخاصة إذا كان المعتذر منه أقل منا في المكانة الاجتماعية مثل الاب وابنه، أو أدنى منصبا في الوسط المهني مثل رئيس العمل ومرؤوسه.

كيف نقدم الاعتذار الصادق؟

إن تقديم الاعتذار مهم لتصفية النفوس وتهدئة المواقف المتأزمة، ولكن الأهم منه هو كيفية تقديمه، فبعض الاعتذارات تغيض المعتذر منه، ويزيد الموقف تعقيدا والطين بلة. ولكي يحقق الاعتذار الغرض المطلوب من تقديمه، من الضروري أن تراعى الخطوات الآتية:

  • أظهر ندمك. من الجميل أن نقول “أنا آسف” أو “أعتذر” أو “حقك علي” أو “سامحني” أو أية عبارة أخرى وبأية لغة، تبين أننا حقا نادمون على ما حصل. ولكن الاعتذار ليس كلمة أو جملة تقال وانتهى، وعلى المقابل أن يمسح كل شيء بمجرد تفوهنا بها. مع أن هذه الكلمات والعبارات مهمة، ولكن تكمن أهميتها فيما تحملها من مضمون، فلو قيلت بنبرة متكبرة وجافة، لكان وقعها عكسيا على المقابل. وعلى العكس من ذلك، فقد لا نحتاج إلى استخدام هذه الكلمات والعبارات أصلا، لأن الكلمات النابعة من القلب مع نبرة الصوت الدافئ وتعبير الوجه الصادق، كفيلة بإظهار مدى أسفنا على ما قمنا به.
  • تحمل مسؤولية تصرفك. بعد بيان مدى أسفنا لما حدث، نتحمل مسؤولية تصرفنا مما حدث دون تبرير أو تقديم أية أعذار. فتقديم الاعتذار ليس معناه تقديم الأعذار، لأن من أسوأ أنواع الاعتذارات هي التي تبرر فيه خطأك. بل على العكس لو ذكرت للمقابل أنه لا يوجد لديك أي عذر تبرر به ما قمت به، لكان وقعه أفضل في نفس المقابل. فإن تبرير الخطأ يبين عدم شعور المخطئ بالندم، وتركيزه ينصبّ على تبرئة نفسه فحسب.
  • صحح خطأك. من الخطوات المهمة جدا في تقديم الاعتذار هي تحمل مسؤولية الخطا و تصحيحه إذا كان ذلك ممكنا. لأنه قد يترب على الخطأ أضرار مادية أو معنوية، وعلى مقدم الاعتذار التكفُّل بتحمل مسؤولية تأثير الخطأ كاملة.
  • تعهد بعدم تكرار الخطأ. من الأمور التي لابد أن يحتويه الاعتذار هي إعطاء ضمان قولي بعدم تكرار ما حدث. فما فائدة الندم وتقديم الاعتذار إذا توقع المقابل تكرار الخطأ في موقف مشابه. فلابد من إعادة الثقة للمقابل عن طريق التأكيد على أن ما حدث لن يتكرر أبدا، وتثبت ذلك بالحرص على عدم تكرار الخطأ.

في النهاية لا تتوقع أن يسامحك المقابل، وتعود المياه إلى مجاريها، ويتصرف بصورة طبيعية، وكأن شيئا لم يكن بعد الاعتذار مباشرة. وخاصة في الأخطاء التي يكون فيها تجريح أو إهانة أو مساس بكرامة الشخص واعتزازه بنفسه. فضلا عن أن بعض الأشخاص يحتاجون إلى وقت أطول ليتأكدوا من صدق الكلام والاعتذار، واستعادة الثقة بالمخطئ مرة أخرى.

Advertisement

2 Comments Add yours

  1. جميل جدا، با ك الله فيك اختي العزيزة..

    Liked by 1 person

    1. شكرا لمرورك الطيب أخي العزيز

      Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s