كفى يعني كفى

إن كلمة “كفى” بسيطة خفيفة، ولكن وقعها شديد، حين نقولها لأنفسنا، يعنى إصدار قرار حازم بإيقاف وضع غير مرغوب فيه، أو مثير للاشمئزاز، يقلل من قيمتنا، ويهدر حقوقنا وحقوق غيرنا. فالوصول إلى كلمة “كفى”، ستكون ثورة عارمة على أنفسنا، وتمثل نقطة تحول في حياتنا، لنكون على أعتاب مرحلة جديدة تليق بما نستحقه من التقدير والكرامة والعيش الهنيء.

حين نشعر أننا ابتعدنا عن خالقنا وتقاعسنا عن أداء واجباتنا، ووصلنا إلى حد من المعاصي والذنوب لن نستطيع الاستمرار في تجاهل هذا الصوت الذي يدعونا إلى العودة إلى رب كريم. فنقول “كفى” لتهاوننا في علاقتنا بالله، واستجابة لندائه جلّ وعلا (فهل أنتم منتهون). نقول حينها: “نعم انتهينا”، وأنه لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال بقية حياتنا.

عندما نقف أمام المرآة وندقق النظر في شكلنا، حيث زاد وزننا الى حد كبير، وأصبحنا أكبر من عمرنا بسنوات، وكأننا ننظر إلى شخص آخر. فنقول “كفى” لهذا النمط من الحياة، نمط التعلق بالأكلات غير الصحية وسهولة الإغراء بها، وانعدام للحركات الرياضية، نحتاج أن نقول “كفى” للتفريط في حق أجسادنا، التي أنهكناها ونجعلها عرضة لأمراض مختلفة.

وقد نعمل لسنوات في وظيفة لا نرغب بها أو في بيئة عمل غير مريحة، لا ترضي طموحاتنا المهنية والمادية، ولا نكون مقتنعين بأننا نقدم شيئا ذا قيمة في تلك الوظيفة، ونُصَابُ بنوع من الملل، فنعدّ الدقائق والساعات لإنهاء يوم العمل، والابتعاد عن أجواء تلك المهنة ومسؤولياتها. وهنا نحتاج إلى الجرأة كي نقول “كفى” للتمسك بهذه الوظيفة. ونبدأ البحث عن وظيفة أخرى أو عمل حر أكثر إرضاءً لأمانينا ولرؤيتنا المستقبلية.

وقد نمر بعلاقة شخصية مشوبة بالتوتر والاستفزاز وحرب للأعصاب. وربما نكون غير مقتنعين بجدوى تلك العلاقة، ونعاني الأمرَّين للاحتفاظ بها، بسبب تعلقنا بالطرف الآخر وتشبثنا به، آملين نجاحها في يوم من الأيام، مع أن جميع بوادر الفشل قد يكون واضحا. وقد يكون ذلك الطرف صديقا أو حبيبا أو زوجا أو قريبا. وعندما نقرر إنهاء حالة التردد والخوف من فقدان ذلك الشخص، فحينها فقط نقول “كفى”، لنحتفظ بما بقي لنا من تقدير للذات وراحة للبال.

عندما نرى أننا نهدر أوقاتا ثمينة في أمور لا تخدم أهدافنا الكبيرة في الحياة، ونضيّع ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي دون هدف واضح، أو قد نخسر ساعات طوال على المسلسلات اليومية والبرامج غير المفيدة وألعاب الفيديو، وكل ما يقتل لدينا القدرة على التركيز والتفكير، وتؤثر سلبا على دراستنا ومستوانا العلمي والثقافي وعلاقاتنا الاجتماعية، ويبعدنا عن كل ماهو نافع وفيه مصلحة دنيوية أو أخروية. فنقول “كفى” لإهدار الوقت على ما لا نفع فيه. وأن ما نريد تحقيقه أهم بكثير من تلك الإغراءات التي نستمتع بها لساعات، فتعيدنا إلى الوراء سنوات.

متى نقول “كفى”؟

يعتمد قول “كفى” على درجة وعي الشخص لما وصل إليه، ووضوح رؤيته لمستقبله. فبعض الناس يصرخون بها مبكرا. وآخرون يصلون إليها بعد سنوات من الاستسلام لواقع مرير، وآخرون لا يصلون إليها أبدا. فهي نقطة تحول في حياة كل شخص. نقولها عندما نشعر أننا على شفا الهاوية، وإن لم نقلها فإننا نهوي إلى القاع.

وقول “كفى” يبين الاستعداد النفسي للتغيير وعدم الاستسلام للأمر الواقع. وقد تصل إلى قناعة راسخة أن الطريق الذي تسير فيه لن ينفعك بشيء، بل يضرك على المدى البعيد. وأنك المسؤول عن تغيير مسار حياتك، والتحول إلى طريق يناسبك ويحقق أحلامك، سواء كان في المجال الروحي أو الصحي أو المادي أو الأسري أو الاجتماعي أو غيره.

وفي النهاية، فإن كلمة “كفى” لابد أن نقولها لأنفسنا عندما  نكون غير راضين عن وضعنا الحالي، وكلما قلناها مبكرا أنتشلنا أنفسنا من ذلك الوضع، قبل أن تستنفد طاقاتنا الروحية والجسدية والعاطفية، وقبل أن نصل إلى نقطة اللارجعة. فكن مبادرا بقول “كفى”، كي تكسب نفسك وحياتك، ولا تسمح للواقع المؤلم أن يفرض نفسه عليك الى الأبد.

Advertisement

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s