احذر الإغراءات

عندما نضع أهدافا ونسعى لتحقيقها، نواجه تحديات مختلفة، ونجد أنفسنا وجها لوجه معها بمجرد أن نقرر تحقيق هدف معين. وهذه التحديات تنقسم إلى قسمين: تحديات مؤلمة محزنة أو نسميها عقبات أو عراقيل أو مشاكل تقطع علينا الطريق للوصول إلى أهدافنا، ونحاول بشتى الوسائل والطرق التغلب عليها وتجاوزها، وهي المرحلة المؤلمة من رحلة تحقيق الهدف.

والقسم الثاني من التحديات هي التحديات الممتعة، وتسمى بالإغراءات وهي أخطر على أهدافنا من التحديات المؤلمة، لأن التحديات المؤلمة تؤذينا وتؤلمنا، لذا نحاول جاهدين تجاوزها والتغلب عليها، غير أن الإغراءات تجذبنا إليها بقوة لأننا نستمتع بها، فنحبذ البقاء في هذا التحدي دون الشعور بخطورتها علينا، لأنها تعمل على تشتيت انتباهنا، وتلهينا عن أهدافنا التي رسمناها لأنفسنا. فالشخص الذي يريد أن يخسر نسبة معينة من الوزن، فإن الإقلاع عن الأطعمة والحلويات المفضلة لديه، وعدم الإنجراء وراء إغراءاتها، يمثل أكبر تحد له في تحقيق هدفه. مما يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى الفشل في خسارة الوزن.

ماذا نقصد بالإغراءات؟

الإغراءات Temptations تعني الشعور بالرغبة في القيام بشيء ممتع بصورة مؤقتة، غير أنه لن يلبي طموحاتك في تحقيق أهداف كبيرة على المدى الطويل، لأن معظم ما تقوم به في تلك الفترة لا يصب في تطوير جوانب حياتك، سواء الصحية أو العلمية أوالمهنية أو المالية وغير ذلك. وأسوأ من ذلك، عندما تتحول تلك الإغراءات الى عادات دائمة وتعلّق وإدمان، وقد تخلّ بتوازنات حياتك، وتعصف بصحتك أو شخصيتك أو مستقبلك، أو تؤثر سلبا على مهنتك أو علاقتك بربك أو بأفراد أسرتك.

صور الإغراءات

تختلف الإغراءات من هدف إلى آخر ومن شخص إلى آخر، وعادة الإغراءات تكون مرتبطة بالهدف الذي تضعه لنفسك، فلو كان الهدف مرتبطا بخسارة الوزن، تكمن الإغراءات في الطعام والشراب المفضل لديك، وكذلك في الراحة وعدم ممارسة الرياضة. وإن كان الهدف هو إدارة الوقت بفاعلية، فتأتي الإغراءات على صورة مشتتات للذهن والتفكير ومضييعات للوقت مثل التلفاز والإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، وإذا أدّى الى فقدان السيطرة في ضبطها وتعلّق النفس بها لساعات طويلة دون إشباع. وإن كان الهدف هو التقرب إلى الله والاستقامة، فإن الإغراءات تتمثل في الإنشغال بغيره مما يؤدي الى الابتعاد عن الخالق، والتقصير في ذكره وقضاء ساعات طويلة من العمر فيما لا يرضي الله، وفيما لا ينفعنا بشيء، فضلا عن الوقوع في المحرمات. وعندما تحاول ضبط الميزانية الشهرية ووضع أهداف مالية، تتجسد الإغراءات في شهوة الشراء وحب التملك، واتباع  هذه الشهوة والتقلب بين الأسواق وتبديل الأشياء والأمتعة بشكل دائم من غير إشباع، فتفقد القدرة على توفير شيء من راتبك أو الإيرادات الشهرية التي تحصل عليها.

تكمن خطورة الإغراءات في قدرتها الكبيرة على التحكم في الإنسان، فضلا عن أنها لا تبدو بصورة سيئة في كثير من الأحيان، وقد لا يكون هناك ضير في القليل منها، غير أن لها قوة تجعلنا نتعلق بها ونُدمنها في كثير من الأحيان، لقدرتها على إعطائنا شعورا جميلا وممتعا، ولأنها تبعدنا عن التفكير في الواقع والأهداف التي تتطلب تحقيقها كثيرا من الجهد والتعب.

كيف تتحكم في الإغراءات؟

إن التحكم في الإغراءات ليس أمرا سهلا، ولكنه ليس مستحيلا كذلك، وهناك بعض الخطوات التي تساعدنا على التحكم فيها، ومنها:

  1. تعّرف على الإغراءات، عندما تضع هدفا معينا، حدد الإغراءات التي تمثل عقبة أمام تحقيقه، لأن معرفتك بمصادر الإغراءات، يسهّل عليك تجنب الطرق التي تؤدي إليها، كذلك يجعلك مستعدا للتعامل معها عند مواجهتها. فالشخص الذي يحاول تنظيم برنامجه اليومي وجدول أعماله وأوقاته، عليه أن يعرف ما الذي يمثل إغراء له مما يخرب عليه برنامجه، هل هو التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الزيارات الشخصية أو غير ذلك.
  2. ركز على الغاية من الهدف، عندما تضع هدفا معينا لابد أن تحدد الغاية من الهدف، لأن الغاية من أي هدف هي التي تدفعنا نحو تحقيقه، ويجعلنا نضحي بالوقت والجهد والراحة والمتعة من أجلها، وتحفزنا للمواصلة كلما هممنا بالاستسلام. وهي التي تجعلنا نمتنع عن الوقوع في فخ الإغراءات. فعلى سبيل المثال تتحمل المرأة كثيرا من وجع عمليات التجميل وخطورتها وتكاليفها، كي تبدو أصغر سنا ببضع سنوات أو تصبح أجمل. وقد لا يهتم بعض الشباب بالعمل بجد وادخار المال، إلا إذا كان لديه غاية كبرى من ذلك، وهي أن يجتمع مع من يحب، فحينها لا يكِلّ ولا يمل حتى لو عمل الليل والنهار.
  3. ابتعد عن الإغراءات ما أمكنك ذلك، فالابتعاد علاج قوي في ضبط الإغراءات وعدم الإفتتان بها، لأنه إذا اقتربتَ منها أو اقتربتْ منك، فلا يدّعي أحد القوة في مواجهة الإغراءات، فكلنا ضعفاء أمامها. كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. فقدرة الإنسان على التحكم في النفس تُستهلك مع كثرة التعرض للإغراء، فقد ترفض مرة وأخرى، ولكن لا أحد يضمن المقاومة في كل مرة. فهذا النبي يوسف (عليه السلام) يطلب العون من الله خوفا من نفاذ قدرته على مقاومة إغراء النساء له: (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ). فحاول قدر الإمكان أن تُبعد مصادر الإغراء عن نفسك. فإذا أردت أن تكون بصحة جيدة ووزن مثالي، فعليك إما إبعاد كل أنواع الحلويات والدهنيات والمأكولات الضارة عن بيتك أو أن تبتعد عن أماكن عرضها وتقديمها. وإذا ما رأيت أن مواقع التواصل والانترنيت تشغلك عن تحقيق أهدافك والاستفادة المثالية من أوقاتك، فعليك أن تحدد أوقات استعمالها وفق جدول زمني معين.
  4. تعلم أن تقول (لا) دون تردد، عندما تتعلق النفس بالملذات المضرة والإغراءات والملهيات، تشتهيها النفس الإنسانية ولن تشبع منها، ولن تتمكن من أن تتقدم في حياتك وتنجز أعمال ذات قيمة لك ولغيرك. فعندما تكون تحت سيطرة هذه الإغراءات حاول أن تقول (لا) ولا تفكر كثيرا وأنت أمام الإغراء، فلا تعطي فرصة للوساوس وخلق الأعذار والتبريرات، فالتفكير فيه يكون له أثر سلبي، وذلك أن معظم الإغراءات مرتبطة بالغرائز، وهذه الغرائز تدعو إلى إشباعها، ومن السهل أن ينحاز التفكير في ذلك الوقت إلى إشباع الغرائز. فضلا عن أن تفكير الإنسان يبحث عن الراحة، حتى لو كانت مؤقتة، ورفضنا للإغراء يحرمنا هذه الراحة والمتعة المؤقتة.
  5. انتبه لعاداتك اليومية، فبعض الإغراءات تتحول إلى عادات سلبية أو إدمانا في بعض الحالات، فنحن نستلذ بما يغرينا، وهذا الشعور يشجعنا على تكرار التعرض للإغراء، للحصول على المتعة. فالعادة والإدمان يتكونان نتيجة تكرار فعل معين رغبة فيه لعدة مرات. ويكون التعامل مع مثل هذه الإغراءات أصعب من غيرها، لأن الإدمان قد لا يكون نفسيا فحسب، بل جسديا كذلك، فيعطي الإغراء قوة فوق قوتها، وحينها نحتاج إلى معالجة الإدمان أو تغيير العادات السلبية أولا، قبل محاولة تحقيق أهداف أخرى.
  6. كوّن عادات يومية إيجابية، نحن اليوم نتاج عاداتنا سواء كانت إيجابية أو سلبية، لأن العادات تملك قوة عجيبة في التأثير على حياتنا ومستقبلنا. فكثير منا لا يستطيع أن يتبع نظاما غذائيا صحيا، لأننا تعودنا منذ الصغر على نظام غذائي غير صحي، وعندما نحاول أن نغيّر هذه العادة، نتألم بشدة للشعور بالحرمان الجسدي والنفسي، مما يصعب علينا رفض نداء الإغراء عندما نتعرض له. وفي الوقت نفسه إذا امتلكنا عادات إيجابية، فإنها تسهم في التحكم في الإغراءات أو التقليل منها. فعلى سبيل المثال عندما تجعل ممارسة الرياضة المنتظمة عادة يومية، فإن هذه العادة تساعدك على التغلب على إغراء التكاسل عندما تتعرض له. وبصورة عامة فإن وضع جدول يومي للأعمال والمهام والأنشطة، يسهّل عليك التعامل مع الإغراءات عند بروزها.
  7. رافق أصحاب الهمم العالية والأشخاص الناجحين والإيجابيين، والذين يسعون لتحقيق الأهداف. وابتعد عن السلبيين ومثبطي العزائم، لأنهم سيعطون الإغراء قوة أكبر مما يجعلك ترضخ له بسهولة. فعلى سبيل المثال إذا كنت تريد خسارة نسبة معينة من الوزن، فمن الأفضل أن تكون قريبا من الأشخاص الذين قاموا بتحقيق الهدف نفسه، أو أنهم يسعون إلى تحقيقه، فيكونون بذلك مصدر تحفيز لك، فضلا عن تفهمهم لما تتعرض له من تحديات.

ومن الضروري في نهاية المقال أن أشير إلى أن الوقوع تحت تأثير الإغراءات، يعد انتكاسة لرحلة الوصول إلى أهدافنا، ولكنها ليست نهاية العالم. فلا ترهق نفسك باللوم والتقريع، وتقع فريسة للمبالغة في الشعور بتأنيب الضمير، لأن هذا الشعور قد يثبط من عزمك ويجعلك تستسلم تماما للإغراء، فلا تتوقف أبدا عن المحاولة للوصول إلى أهدافك، فلن تعد فاشلا في سعيك ما دمت مستمرا في المحاولة. فاستعن بالله تعالى واطلب التوفيق والسداد منه، فكل يوم جديد هو فرصة لتبدأ من جديد.

Advertisement

3 Comments Add yours

  1. مقال جميل (لا يدعي أحد القوة في مواجهة الاغراءات)

    Liked by 1 person

    1. أشكر لك مروركِ الطيب عزيزتي شيماء، وأتمنى لكِ التوفيق😊

      Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s