الحاجات الإنسانية الست

إن نظرية الحاجات الإنسانية الست تعود للمدرب الشخصي والمتحدث الأمريكي المشهور توني روبنس، ويرى أن للإنسان حاجات ست يسعى لسدها ليشعر بالسعادة والرضا من حياته. فبغض النظر عن خلفية الإنسان، أو جنسه، أو ثقافته، أو ديانته، أو مكانته. فهذه الحاجات تمثل طاقة مشتركة عند جميع الناس تدفعهم لإشباعها. وقد تكون طاقة إشباع حاجة من الحاجات أقوى من غيرها عند أحدهم، بينما حاجة أخرى تمثل الدافع الأكبر لشخص آخر. ويقسّم توني روبنس الحاجات إلى قسمين وهما: الحاجات الأساسية والحاجات الروحية. وفيما يلي نذكر تلك الحاجات بشيء من التفصيل.

الحاجات الأساسية

إن الحاجات  الأساسية الأربع يحاول جميع الناس إشباعها دون استثناء، سواء كان بالعمل الجاد والاجتهاد، أو كان بخلق المشكلات أو أية طريقة أخرى، أي قد يسد تلك الحاجات بطرق إيجابية أو سلبية. ولكن بإشباع هذه الحاجات لا يصل الإنسان إلى الرضا والسعادة التي يبحث عنها. لذلك نجد كثيرا من الناس، بغض النظر عما يملكون من أموال ومناصب وشهرة ومحبة، لا يملكون السعادة، بل يتعاطى بعضهم المخدرات أو أدوية ضد الاكتئاب، أو غير ذلك لتسكين الألم الداخلي أو الشعور بعدم الرضا في داخلهم. وقد يصل ببعضهم إلى محاولة الانتحار. وخير دليل على هؤلاء، المشاهير الذين يتناولون المخدرات أو يقدمون على الانتحار، مع أنهم يملكون جميع ما يسدون به الحاجات الأساسية.

  • اليقين Certainty

أولى الحاجات الإنسانية هي الحاجة إلى اليقين والأمان والضمان والاطمئنان والاستقرار، وسد هذه الحاجة يعطينا شعورا بأننا نتحكم في أمورنا وشؤون حياتنا. فضلا عن ذلك، يضمن لنا الحصول على الملذات، ويجنبنا الخوف والقلق والألم، فهي حاجة أساسية للبقاء على قيد الحياة. ومن هذه الحاجات الحاجة إلى المأكل والمشرب والمأوى وغيرها.

والذين يمثل اليقين والضمان والأمان القوة الدافعة لهم، فإنهم يركزون على إنجاز المهام، وهم ممتازون في وضع الخطط، كما أنهم يميلون إلى تجنب المخاطر. والشخص عندما يدرس ويحاول الحصول على الدرجة الجامعية، فإن الحصول على الوظيفة والضمان المالي يكون هو الدافع لذلك. وكلما كانت حاجة الشخص أكثر لليقين كلما كان أقل عرضة للمجازفة والمخاطرة في وظيفته وأمواله وعلاقاته الشخصية. فقد يبقى متمسكا بوظيفة لا تعطيه الرضا النفسي والمالي، خوفا من أن يفقدها وأن لا يجد بديلا أفضل منها. وقد يكون الرجل أو المرأة متشبثا بعلاقة عاطفية أو زوجية لا تقدم له أو لها الرضا العاطفي، وقد تصل إلى وجود إساءة لفظية أو عاطفية أو جسدية فيها، غير أنهما يظلا متمسكين بهذه العلاقة خوفا من البقاء وحيدا، أو عدم الحصول على بديل أفضل.

  • التنوع Variety

مع أن الإنسان يحتاج إلى الاستقرار والضمان، ولكن مع هذا فإنه يرغب بالتغيير، لأن التنوع حاجة إنسانية أخرى تحتاج إلى إشباع. والتنويع قد يكون في العمل أو المنزل أو غيرهما، مع أنه يتناقض مع الأمان والاستقرار، إلا أنها حاجة نفسية أخرى للإنسان، تبعد عنه الملل والضجر بسبب العيش على وتيرة واحدة.

والأشخاص الذين لديهم حاجة التنوع قوية، فإنهم قابلين للتكيف والحيوية، ولديهم رغبة قوية للمغامرة.  إنهم أناس لديهم اهتمامات لا تعد ولا تحصى ودائما ما يكونون فضوليين لتعلم شيء جديد.  هؤلاء الأشخاص عادة يكرهون الخطط والالتزام بها، مما يجعل الالتزام بالوظائف أو العلاقات أو الاستثمارات طويلة الأجل صعبة. وقد يكون الراغبون بالتنوع غير مركّزين، وبالتالي يُنظر إليهم على أنهم مهملين أو غير موثوقين. كما يمكن أن يكون لديهم نمط غير مستقرة في علاقاتهم.

  • الأهمية Significance

للجميع رغبة ملحة بأن يكون مهما، وفريدا، ومميزا، وإن يقدره الآخرون. وسد هذه الحاجة يختلف من شخص لآخر، فلكي يشعر بعض الناس بأهميتهم، يقومون بجمع الملايين من الدولارات. بينما يقوم آخرون بالحصول على الشهادات الجامعية العالية كالماجستير أو الدكتوراه. وقد يشبع آخرون هذه الحاجة بوضع الوشم على أجسامهم. وقد يشعر آخرون بأهميتهم إذا ما قاموا بخلق المشاكل لغيرهم، أو قد يرى آخرون أهميتهم في اعتناق الأفكار المتطرفة، فهذه الحاجة تُشبع بطرق مختلقة بعضها تكون إيجابية فيما يتبع آخرون في ذلك طرقا سلبية.

يحتاج الناس لسد هذه حاجة إلى وضوح في الأهداف، وتحقيق الإنجازات الكثيرة، ليبرزوا أكثر من بقية أقرانهم. وهم يميلون إلى أن يكونوا الفردية في العمل ويسعون الوصول إلى الكمال. فهؤلاء يريدون أن يكونوا الأفضل أينما كانوا. ويمكن أن تؤدي هذه أيضًا إلى جعلهم يركزون على وضعهم الشخصي، بحيث يكون التواصل مع الآخرين تحديا كبيرا بالنسبة لهم.

  • الحب والتواصل Love and Connection

الحب هو الهواء الذي نتنفسه لنحيا حياة نفسية وعاطفية سليمة، فهو ما نريده ونرغب به أكثر من أي شيء آخر. عندما نحب نشعر أننا على قيد الحياة. ويمكن إشباع هذه الرغبة عن طريق العلاقات العاطفية أو الأخوية أو الصداقة، أو حتى يمكننا إشباع هذه الحاجة عن طريق الشعور بالحب الإلهي. وقد يصل ببعضهم بتربية الحيوانات الأليفة ليشعر بالحب. وقد يدخل آخرون في علاقات كثيرة لإشباع هذه الحاجة أو إدعاء المرض معظم الوقت ليعتني به الآخرون، فيشعر بحبهم واهتمامهم.

والذين عندهم هذه الحاجة أقوى من غيرها، يكوّنون العلاقات الشخصية بسهولة، لأن لديهم قدرة جيدة في التواصل. وبسبب سعيهم الحثيث للحب والتواصل، فقد يصلون إلى التضحية بأنفسهم من أجل ذلك، وتقديم مصالح الآخرين على مصلحتهم. وقد يقنع هؤلاء أنفسهم بأقل مما يستحقوه من الحب والاهتمام، خوفا من البقاء وحيدا.

الحاجات الروحية

يصنف توني روبنس الحاجتين الآتيتين بالحاجات الروحية، ويرى أنه لا يسعى جميع الناس لتحقيق هاتين الحاجتين، ويؤدي ذلك إلى الشعور بعدم الرضا والسعادة من قبلهم، مهما حاولوا إشباع الحاجات الأساسية، لأن السعادة الحقيقية تكمن في إشباع حاجتي النمو والمساهمة. وفيما يلي نفصل في هاتين الحاجتين:

  • النمو Growth

الإنسان كالزهرة إن لم يكن ينمو ويزدهر فإنه يذبل ويموت. فإن لم تكن علاقاتك الشخصية تنمو فإنها تنقطع، مهما كان عدد أصدقائك. وإن لم يكن عملك ينمو فإنه لا محالة يتراجع، مهما بلغ رصيدك في البنك. والنمو لا يقتصر على جانب العمل أو العلاقات الشخصية، بل يشمل الجانب الجسدي أو الروحي أو الفكري أو النفسي. ولا يمكن للإنسان الوصول إلى الرضا الحقيقي عن نفسه، ما لم يشبع هذه الحاجة، لأننا ننمو ونتطور لكي نمتلك شيئا ذو قيمة نعطيه للآخرين.

إن الذين تدفعهم هذه الحاجة أكثر من غيرها، فإنهم يسعون باستمرار لتعلّم أشياء جديدة، ولتطوير أنفسهم. وهؤلاء يتجاوزون حدود قدراتهم ويتمتعون بالاكتفاء الذاتي إلى حد ما؛ ولا يتعلقون بالأشياء المادية كثيرا. ويمكن لأولئك الذين يبحثون عن حاجة النمو أن ينشغلوا كثيرا بتحسين أنفسهم. كما أنهم يشعورن بعدم الرضا عن وضعهم والحاجة إلى النمو والتطور الدائم.

  • المساهمة Contribution

يرى روبنس أن العطاء هو السر الحقيقي للسعادة والرضا، حيث تكمن قيمة الحياة في التعاون والمشاركة.  فهو يرى أننا إذا كانت لدينا أخبارا سارة، فإننا نرغب بمشاركتها مع من نحب. فالمساهمة هي ما يلهمنا لمشاركة الفرح والاشتياق لأن المشاركة تضخم هذه المشاعر. وحقيقة الحياة هي في خلق المعاني للأشياء والتجارب، والمعنى لا يأتي مما نحصل عليه، بل مما نعطيه. نحن نعلم أهمية التفكير في غيرنا، ومن اللطف مراعاة الآخرين. فضلا عن أن المساهمة والعطاء هو أساس البقاء على قيد الحياة، فيصعب على الإنسان أن يعيش لوحده ويستمتع بالحياة وهو بعيد عن غيره.

إن الذين لديهم حاجة التواصل، فإنهم يملكون إحساسا عميقا بخدمة الآخرين. ويمكن الاعتماد عليهم. وقد تؤدي الرغبة في إشباع هذه الحاجة إلى البحث عن فرص المساهمة أينما تكون. لدرجة يهملون حياتهم ورفاهيتهم الخاصة من أجل الآخرين.

Advertisement

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s