كن على سجيتك

يولد الإنسان على الفطرة، ويتصرف وفق فطرته إلى أن يبدأ المجتمع بقولبته، أو برمجته على نمط من الأنماط التي أوجدها المجتمع، ويحاول الطفل وهو على أبواب المراهقة أن يكتشف نفسه، ويضعها في قالب من القوالب الموجودة. وكلما كان الشخص ملائما للقالب، كلما كان أكثر قبولا من قبل الآخرين. أما إذا لم يناسب القوالب المتوفرة، أصبح جسما غريبا منبوذا، يصعب تقبله لما هو عليه لأنه جسم مختلف عن غيره من قبل المحيطين به. وقد يعجب الشخص بشخصية معينة، يحاول محاكاة هذا النموذج الموجود سواء على أرض الواقع كالشخصيات العالمية المشهورة (الممثلين أو المغنيين أو مشاهير كرة القدم أو غيرهم)، أو اتباع نمط خيالي موجود في الروايات والأفلام.

فيبدأ الشخص بالابتعاد شيئا فشيئا عن ذاته الحقيقية، وأصالته وكونه مخلوقا فريدا كما خلقه البارئ عز وجل. فـ (نحن نتخلى عن ثلاثة أرباع أنفسنا لكي نصبح كالآخرين) كما يقول آرثر شوبنهاور. مع أن البشر وإن كانوا متشابهين بصورة عامة، غير أنهم مختلفون عن بعض، فلا يوجد شخص مطابق تماما لشخص آخر. فالحمض النووي وبصمة الإصبع والعين مختلفة  عن الآخر، فضلا عن السمات الجسدية وملامح الوجه لا يكاد يتطابق بين شخصين حتى التوائم.

ما المقصود بأن تكون على سجيتك؟

بصورة بسيطة جدا هي أن تكون شخصا حقيقيا أصيلا وليس مزيفا، وينبع سلوكك مما تؤمن به وتعبر عما تشعر به حقيقة. وأن لا تكون نسخة من أحد، مما يجعلك شخصا زائفا غير حقيقي. فالعالم الذي نعيش فيه يمتلئ بالزيف، كي يكون الناس مقبولين من المحيطين. يظهر هذا الزيف بصورة خاصة في العلاقات الاجتماعية وفي بيئة العمل. وهذا لا يعني أن الاقتداء بالأشخاص الذين يمثلون قدوتنا في الحياة وفي العمل والنجاح شيء سيء، ولكن تقليدهم في تفاصيل حياتهم وسلوكياتهم الشخصية، مثل طريقة التحدث واستعمال حركات جسمية معينة خاصة بهم،  أو أن نلبس كما يلبسون، ونقص شعرنا كقصتهم، أمر غير مرغوب به. لأنه قد تصل إلى مستوى هذا الشخص ونجاحاته، وقد تكون أفضل منه، ولكنك لن تصبح هذا الشخص أبدا، مهما كنت معجبا به أو مقلدا له.

كيف تكون على سجيتك؟

  • قوي ثقتك بنفسك، فالشخص الذي يريد أن يكون كما هو عليه يواجهه تحديات كثيرة من المحيطين به. وقد يشككون فيه وفي قدرته. لذا من الصعب أن تتصرف على طبيعتك إن لم تكن ثقتك بنفسك عالية.
  • فكّر في معتقداتك وقيمك، وتأكد من أنهما ينبعان من ذاتك، وليست تابعة لمعتقدات الآخرين دون التأكد من صحة هذه المعتقدات من عدمها. فـكما يقول أوسكار وايلد: (معظم الناس أناس آخرون، أفكارهم أراء شخص آخر، وحياتهم تقليد، وعواطفهم اقتباس).
  • اكتشف نقاط قوتك ما تتميز به، وركز عليهما، ويكون ذلك عن طريق التواصل الفاعل مع نفسك. فنقاط قوة الشخص وسيلة نجاحه، ونقاط تمييزه عن الآخرين.
  • ضع لمستك وروحك في كل ما تقوم به، ومن الأفضل أن تعمل عملا أو وظيفة تكون شغوفا بها، وتناسب شخصيتك الحقيقية، كي تتمكن من وضع لمستك فيما تعمل، وإن لم تتمكن من ذلك، فيمكنك تحقيق هذا الهدف من خلال ممارسة هواية معينة، أو اهتمامات شخصية، كالعمل الخيري.
  • خصص بعض الوقت لتطوير الذات ونموها، وذلك عن طريق قراءة الكتب والمقالات المختصة بالموضوع، أو المشاركة في الدورات وورش العمل التي تعينك على تطوير مهاراتك. فهناك بعض المهارات الأساسية التي يحتاجها الجميع لكي يعبروا عن أنفسهم، ويتواصلوا مع الآخرين بشكل مؤثر، مثل (مهارة التواصل والتحدث).
  • تقبّل عيوبك ونقاط ضعفك، فالكمال لله وحده، وكل شخص لديه عيوب ونواقص وأخطاء يعاني منها، فلا تقسُ على نفسك باللوم الزائد للنفس على هذه العيوب، وانتقاده الدائم لها. وما يتبع ذلك من تأنيب الضمير، فرفقا بنفسك. فالتركيز علي هذه العيوب يضخمها ويقويها، فضلا عن أنه يؤدي إلى إضعاف ثقة الشخص بنفسه وبقدراته.
  • كوّن علاقات شخصية مع أناس إيجابيين، وحافظ على علاقات طويلة المدى، ومن خلالها ابنِ الثقة والاحترام مع الآخرين. فالعلاقة الشخصية القوية ضرورية لدعمك في تحقيق ذاتك. فالأصدقاء الحقيقيون يتقبلونك على ما أنت عليه، وكونهم أشخاصا إيجابيين، لن يقوموا بإنتقادك ولومك، بل يقدمون لك محبة غير مشروطة.
  • ليكن لديك أهدافا شخصية ومهنية بعيدة المدى، كي تدفعك هذه الأهداف لتحقيق الذات وتنمية ذاتك وتطوير مهاراتك. والعمل على تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية يمكنك من نيل مكتسبات ونجاحات شخصية تدعم كونك شخصا مميزا ومستقلا بذاته.
  • التمس الدعم العاطفي عندما تحتاجه من أفراد أسرتك أو أصدقائك، فكل الناس يحتاجون إلى الدعم العاطفي من المحيطين بين الحين والآخر، فإذا احتجت إليها لا تتردد في طلبها ممن تحبهم وتثق بهم، فلن تبدو ضعيفا، بل ستثبت أنك إنسان حيّ.
  • توقف عن التفكير في ما سيتصوره الآخرون عنك، أو فيما يظنونه، أو محاولة نيل رضاهم، فإرضاء الناس غاية لا تدرك. ومن المستحيل أن تلقى القبول من جميع الناس. ومع ذلك فالناس تحترم الشخص الواثق من نفسه والمعتز بذاته.
  • استرخ، وتوقف عن التفكير حول أسوأ ما يمكن أن يحدث، وخاصة في المواقف الاجتماعية وعند التواصل مع الآخرين. فالتفكير الزائد في أي شيء يصيبنا بالشك في أنفسنا، ويضعف الثقة بها.

وأخيرا من الطبيعي، بل من الجميل أن تكون مختلفا، فالناس ينجذبون إلى الشخص الصادق الصدوق الشفاف، ويشعرون بالارتياح مع الذين لا يتكلفون ولا يتصنعون، بل يتصرفون على سجيتهم. وستنال احترام الآخرين كونك تتمتع بشخصية فريدة، وتضيف لونا وجمالا وأريجا مميزا إلى حياة المحيطين بك. فكما يقول سقراط: ( أفضل طريقة لاكتساب سمعة جيدة أن تحاول الظهور بالشكل الذي تريده أنت).

Advertisement

2 Comments Add yours

  1. هيونة says:

    .شكرا ع المقالة رائعة لعل من يقرأ يتعظ ويفهم 🙂

    Liked by 1 person

    1. العفو عزيزتي، أسعدني مرورك.

      Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s