إن الإنسان كائن إجتماعي، يولد ويترعرع في بيئة إجتماعية، ويمثّل بناء العلاقات الشخصية مع المحيطين جزءا أساسيا من نشأته وتكوينه النفسي والعاطفي والاجتماعي. والعلاقات الشخصية الناجحة تؤثر بشكل مباشر على حياة الشخص ونضجه ونموه الصحي. فضلا عن أنها تؤثر بشكل مباشر في النجاح في بقية مجالات الحياة.
وما أقصده بالعلاقات الشخصية، العلاقات التي تربطنا مع المحيطين بنا والمقربين، وفي مثل هذه العلاقات نحن نقوم باختيار بناء العلاقة وهي في بدايتها، ولسنا مجبرين عليها مثل علاقة رابطة الدم، أو علاقة الرئيس والمرؤوس في العمل. وتشمل بصورة خاصة علاقة الأخوة والصداقة، والعلاقة الزوجية، وعلاقة الزمالة وغيرها من العلاقات المباشرة التي تنعكس آثارها على حياتنا الشخصية.
تبنى العلاقات الشخصية على الشراكة، واستمرار هذه الشراكة ونموها وتطورها يعتمد بشكل كبير على مبدأ (الربح للجميع)، مما يعني أن كلا الطرفين يكونان رابحين من العلاقة ومستفيدين منها. فلا يمكن لأي علاقة إنسانية أن تبقى وتنمو إذا كان الطرف الأول مستفيدا ورابحا، والطرف الثاني متضررا وخاسرا، والعكس صحيح كذلك. لأن العلاقة الصحية تكون علاقة مبنية على الأخذ والعطاء، فلا يمكن لطرف أن يعطي طوال الوقت، والطرف الآخر يأخذ باستمرار، وإن وجدت مثل هذه العلاقات، فإنها ستكون علاقة مهزوزة، وإذا لم ينتبه لها الطرفان، ستكون مهددة بالإنهيار، لأن الطرف الذي يقدم باستمرار سيأتي عليه يوم يتوقف عن تقديم المزيد من العطاء.
بناء العلاقات الناجحة
تعتمد العلاقات الشخصية الناجحة على عدة أمور، وما أذكره هنا مبني على تجربتي الشخصية وملاحظاتي، ولا تعتمد على نظريات علمية، سواء اتفق معها أم لا:
- اعرف نفسك أولا، من الضروري قبل الدخول في أي علاقة شخصية أن يعرف الشخص نفسه جيدا، وبصورة خاصة في علاقة الزواج. لابد أن تكون علاقتك جيدة مع نفسك، تفهم نفسك جيدا وتقدرها وتعرف نقاط قوتك وضعفك، فلا تنظر إلى نفسك من منظار الآخر، فإذا مدحك طرت إلى عنان السماء، وإذا ذمك أو انتقدك هوى بك إلى الحضيض. لذلك كي تدخل في علاقة شخصية ناجحة، لابد أن تكون في تناغم وانسجام مع نفسك، كي تنسجم مع غيرك.
- تقبّل الآخر كما هو، من الأسس المهمة لنجاح العلاقة بين طرفين هو تقبل الشخص كما هو، فإذا وافقت أن ترتبط بشخص ما في علاقة إنسانية، لا تؤسس العلاقة بهدف تغيير الشخص المقابل، لأن حدوث ذلك مستحيل إذا لم يرغب الشخص نفسه في تغيير نفسه. فالعلاقة المشروطة بالتغيير سواء كانت علاقة زواج أو صداقة، قد تتعرض للفشل بسهولة.
- ضع المسافة المناسبة، إن نجاح العلاقات الشخصية يعتمد بدرجة كبيرة على تحديد المسافة الموجودة بين الطرفين واحترامها. ولابد أن تكون المسافة الموجودة في بداية العلاقات واسعة، ثم يبدأ الشخص بتضيقها شيئا فشيئا، والتقدم نحو تمتين هذه العلاقة خطوة بخطوة، والتأكد من موقع قدمك قبل أن تتقدم خطوة أخرى إلى الأمام.
- كن حذرا، عندما تكون العلاقة في بدايتها، تكون في مرحلة التعارف واكتشاف المقابل، فحاول أن تكون حذرا في التعامل، وتجنب الأساليب اللغوية التي قد تؤدي إلى نشوء سوء الفهم بين الطرفين، واتساع هوة إساءة الظن بالآخر. مثل المزاح المبالغ فيه، لذا حاول أن تكون حذرا في تعاملك، واجعل كلامك واضحا وصريحا غير ملتوٍ.
- لا تتحكم في الطرف الآخر، من أهم أسباب نجاح العلاقات الشخصية احترام الحرية الشخصية للطرف الآخر. فالذي يحاول أن يتحكم في حياة الطرف الآخر واختياراته، سواء كان ذلك بإسم الحب أو الخوف على المقابل أو أي عذر آخر، لن ينجح في بالوصول إلى مستوى التكامل والارتباط مع الطرف الآخر ولن تتكلل العلاقة بالنجاح، ما دام الطرف الآخر يشعر أن حريته مهددة ويتم التحكم به وبما يفعله وما لا يفعله.
- ابتعد عن الانتقاد، إن الانتقاد المستمر للشخص المقابل يهدم العلاقة الودية بين الطرفين، ويجعلها عرضة للاضطراب والتعثّر. بسبب أن الطرف الذي يتعرض للانتقاد، يشعر بوجود تهديد مستمر مما يجعله في حالة تأهب مستمر للدفاع عن النفس. فتتحول العلاقة إلى صراع مستمر ينهك طاقة الطرفين في الهجوم والدفاع، مما يهدم الأساس الذي يبنى عليها من المحبة والاحترام المتبادل.
- اعترف بخطئك، إن الوقوع في الأخطاء جزء من الطبيعة الإنسانية، فلم يخلق الإنسان ملاكا منزها عن الخطأ، ولكن الإنسان إذا وقع في الخطأ فأفضل شيء يفعله هو المبادرة بالاعتراف بخطئه بأسرع وقت ممكن، والاعتذار عنه بصدق دون تبرير، والتواضع في طلب العفو من المقابل.
- كن متسامحا، لابد أن تكون متسامحا مع الأشخاص المقربين منك سواء كانوا إخوة أو أصدقاء أو زوجا/ زوجة، وإعطاء فرصة جديدة للمقابل لتصحيح خطائه. ولا تنس أفضال الشخص، لأنه وقع في خطأ معين، أو أنه أخطأ في حقك. فكلنا يمر عليه أيام يُفقدنا التوازن، ويجعلنا نتصرف بصورة بعيدة عما نحن عليه في حقيقتنا.
- ركّز على العطاء، إن العلاقات الشخصية تقوم على الأخذ والعطاء كما ذكرنا سابقا، ولكن بعض الأشخاص عندما يدخلون في علاقة شخصية مع المقابل يفكرون في الأخذ بعد كل عطاء. ومثل هذا التقسيم غير واقعي أو منطقي في العلاقات الإنسانية، فقد تكون مضطرا للعطاء لفترة زمنية معينة، ثم يأتي دور الأخذ، لذا من الضروري أن يكون تركيز كلا الطرفين على العطاء دون مقابل. وكما يقول جون سي ماكسويل: “إن العديد ممن يعانون الفشل المزمن، يكون ذلك لأنهم لا يفكرون سوى بأنفسهم”.
وفي نهاية المطاف، يبقى التلاؤم والتناغم بين الأرواح جزءا أساسيا في بناء العلاقات الشخصية ونجاحها، فهناك أشخاص تعرفهم لسنوات طويلة، لا تتمكن من التمازج معهم بأي حال، وآخرون قد تتعرف عليهم في مدة زمنية بسيطة تشعر بالترابط الروحي والانسجام النفسي معهم. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: “الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف”.
فعلا الأرواح جنود مجندة
شكرا للتدوينة الجميلة🤗
LikeLiked by 1 person
أهلا وسهلا بك…
LikeLike
كلمات رائعة 🌹
LikeLiked by 1 person
شكرا لمرورك عزيزتي😊
LikeLike
مقال اكثر من رائع اتفق معك دكتورة بارك الله فيك
LikeLiked by 1 person
أشكرك أخي وبارك الله فيك كذلك
LikeLike
مقال اكثر من رائع احسنت دكتورة بارك الله فيك
LikeLike