عندما كنا صغاراً، كان السؤال المطروح علينا، سواء في المدرسة أو خارجها، هو: ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ سؤال بسيط وجوابه كان أبسط وأكثر تحديدا، (أريد أن أكون طبيباً أو مهندساً أو معلماً). وكان معظم الأجوبة متشابهة، لأننا كنا قد سمعنا من غيرنا هذا الجواب، فتمت برمجتنا عليه.
ماذا لو طرحنا هذا السؤال مرة أخرى وبصيغة مختلفة: ماذا تريد في الحياة؟ من الضروري أن يطرح كل منا هذا السؤال على نفسه، ما الذي أريده؟ وهذا السؤال مع بساطته ووضوحه إلا أنه يحمل في طياته معنى الحياة لكل واحد منّا، وأول نبض للإرادة والخطوة الأولى كي ترى أحلامنا النور.
إن الإنسان كائن يتوجه نحو الهدف، فإذا كان يملك هدفا واضحا استطاع تحقيقه، وإن لم يكن الهدف موجودا أو واضحا فإنه يقوم بتحقيق أهداف غيره. فإن للأهداف والأحلام قوة مغناطيسية تسحبك إليهما سحبا، وكلما كانت الأهداف كبيرة ومشوقة كلما سحبتك بقوة أكبر.
يقول بعض الناس بأنهم يريدوا أن يكونوا ناجحين، أو سعداء، أو أغنياء، أو يريدوا أن يعيشوا في مكان آخر. وكل هذه العبارات لا تتعدى أن تكون أمنيات وليست أهدافا، والأمنيات لا تتحقق غالبا. إن وضع الأهداف لابد أن يكون على رأس قائمة أولوياتك إذا أردت أن تكون ناجحا أو سعيدا أو غنيا أو غير ذلك مما تريد.
كثير من الناس لايحصلون في الحياة على ما يريدون ليس لأنهم غير قادرين على تحقيقه، أو أن الظروف غير مؤاتية لذلك، وإنما بسبب أنهم لا يعرفون ما الذي يريدون تحقيقه، ومن المستحيل أن تجد شيئا لا تعرف ما هو، أو ما الذي تبحث عنه. وقد يعرف آخرون تماما ما لايريدون، وهذه خطوة جيدة بحد ذاتها لتنتقل إلى التركيز على ما تريد، ولكن كثير من هؤلاء يكتفون بهذه المرحلة ويبقون عالقين فيه.
عندما تكون رؤيتنا واضحة، نشعر بثقة كبيرة، وإرادة قوية تمكننا من التغلب على المصاعب والعقبات التي تواجهنا في طريق تحقيق أهدافنا. ولابد أن نتأكد من أنها فعلا أهدافنا نحن وليس غيرنا قبل أن نبدأ برحلة تحقيقها، فلا يمكن أن نضيع سنوات في تحقيق أهداف لسنا متأكدين من أننا نريدها حقا. وكما يقول ستيفن كوفي: “قبل أن تبدأ بتسلق السلّم تأكد من أنك وضعته على الجدار الصحيح”.
يستيقظ بعض الناس في منتصف أعمارهم، ليجدوا مجال تخصصهم ليس كما كانوا يرغبون فيه، أو وظائفهم لاترضيهم، أو أوزانهم تجاوز الحد، أو ابتعدوا كثيرا عن خالقهم، أو لديهم علاقة سيئة بأسرتهم، أو أوضاعهم المالية ليست جيدة بعد العمل لقرابة ربع قرن. وإذا اجتمعت هذه النتائج كلها، تصبح أسوأ كابوس يمكن أن يستيقظ منه أي شخص. ولكن مع سوء الوضع إلا أن هذا الاستيقاظ هو الذي يدفعه لمراجعة مسيرة حياته ورحلة عمره، وحينها عليه أن يبدأ بوضع أهداف جديدة تمثل طموحاته الصحية، والروحية، والمالية، والأسرية، وغيرها من الجوانب الأخرى التي لا ترضيه.
للتعرف على الأهداف التي نريد تحقيقها، والرؤية الواضحة لما نتمنى أن نكون عليه، وأن نعيش الحياة التي ترضي آمالنا وتتطابق مع توقعاتنا، علينا أن نقوم بثلاث خطوات، وذلك من خلال طرح ثلاثة أسئلة. وقبل أن نبدأ بعرض الأسئلة هناك ملحوظتان، من الضروري الأخذ بهما، كي تتمتع بصفاء الذهن ووضوح الرؤية، وهما: الأولى هي أنه قبل أن تجيب عن الأسئلة لابد أن تكون في مكان هادئ لا يقاطع سلسلة أفكارك أي شخص، ولو استطعت أن تأخذ إجازة من العمل لكان أفضل. والثانية هي أن يكون معك دفتر الملاحظات وقلم لكتابة الأجوبة وتسجيل الملاحظات. والأسئلة هي:
أولا: ماذا أريد؟
وهذا السؤال يتفرع منه عدة أسئلة وحسب مجالات الحياة (الصحي، والروحي، والأسري، والعقلي، والوظيفي، والمالي، والاجتماعي)، لكي تكون أهدافك واضحة ومتزنة ومحددة بزمن معين. والأسئلة هي:
- ما الذي أريده لصحتي؟ ما الوزن الذي أريد الوصول إليه؟
- كيف أريد أن تكون علاقتي بربي؟
- كيف أريد أن تكون علاقتي بأسرتي وأصدقائي؟
- ما الوظيفة أو العمل الذي أريد أن أمارسه في حياتي؟
- ما نسبة الأموال التي أريد الحصول عليها؟ وما الممتلكات التي أرغب في أقتنائها؟
- ما العلوم والمعارف التي أريد أن أتعلمها؟ وما المهارات التي أريد أكتسابها؟
- ما الذي أريد أن أساهم به في حياة الآخرين؟ وما الأثر الذي أريد أن أتركه ورائي؟
يختلف جواب كل سؤال من شخص إلى آخر، ولكن لاتضع أهدافا سهلة المنال، لأن مثل هذه الأهداف تحول دون نمونا وتطورنا، وكذلك لا تضع أهدافا مستحيلة كي لا تفقد إيمانك بهدفك، وتستسلم بسهولة.
ثانيا: لماذا أريد؟
لكي تعرف غايتك من الحصول على هذه الأهداف، لابد أن تسأل سؤالا مهما وهو: لماذا أريد هذا الهدف؟ أمام كل جواب أجبته على السؤال الأول. إن هذا السؤال ركن أساسي من أركان تحديد الهدف، لأن معرفة الغاية مما يريده الشخص، تظهر أهمية الحصول على الهدف بالنسبة له.
والغاية هي التي تدفعنا لتحقيق الأهداف، فهي المحفز والمشجع للاستمرار في محاولة تحقيق هدف ما مهما عانينا من المصاعب والمتاعب والفشل.فالشخص الذي يريد حياة كريمة لأسرته ولتحقيق الاستقلال المالي الذين يمكّنه هو وأسرته من التمتع براحة البال والعيش الرغيد، لا يهتم بالتعب والسهر والوقت الذي يصرفه للوصول إلى هذه الغاية النبيلة.
ثالثا: كيف أحصل على ما أريد؟
في هذا السؤال تكمن كيفية التخطيط للوصول إلى الأهداف. فلابد أن نضع خطة زمنية مفصلة للخطوات التي علينا أن نخطوها، والاجراءات التي لابد من اتباعها. وكذلك الموارد التي نحتاجها، والأشخاص الذين يمكنهم أن يعينونا في تحقيق أهدافنا.
وفيما يلي نأتي بمثال عملي لكيفية تطبيق الخطوات، وقد تختلف الخطوة الثالثة أي الكيفية من شخص إلى آخر، وما ذكرناه هنا لا يعدو أن يكون مثالا فقط، وليست وصفة لتخفيف الوزن.
- ماذا أريد؟
-أن أخسر 10 كيلوغرامات في 1/1/2019.
- لماذا؟
-لأتمتع بجسم صحي رشيق ولياقة بدنية عالية، أستطيع به أن أخدم من حولي ولا أكون عالة على غيري.
- كيف أحصل على ما أريد؟
-الإنقطاع عن أكل الحلويات.
– أكل الخضروات ثلاث مرات في اليوم، وتناول فاكهة واحدة فقط في اليوم.
-ممارسة رياضة المشي لمدة ثلاثين دقيقة في الصباح الباكر خمس مرات في الأسبوع.
بعد أن انتهيت من تصميم خريطة حياتك بكافة تفاصيلها، ابدأ مباشرة بالخطوة الأولى، فلتكن خطوة بسيطة وصغيرة. مثلا قد تكون الخطوة الأولى شراء حذاء رياضي، أو القيام باتصال هاتفي، أو التسجيل في أحد المراكز التدربية أو غير ذلك. وابتعد عن التردد والتسويف والمماطلة، فكما قال كريستوفر باركر: “التردد والمماطلة والتأجيل، أشبه ببطاقة ائتمان: ممتع استعمالها إلى حين وصول الفاتورة”. فكلما بدأت بذلك في وقت أبكر كلما استطعت الوصول إلى أهدافك وطموحاتك بشكل أسرع، لتعيش الحياة التي توصلك إلى السعادة والرضا، وتترك أثرا ولو بسيطا في حياة المحيطين بك كونك تمثل قدوة يقتدى بها.