الخوف ذلك المارد

يولد الإنسان وهو خائف من شيئين هما: الصوت المرتفع والسقوط. ويكبر الإنسان وتكبر معه مخاوفه، وكلما تقدم به العمر ازدادت هذه المخاوف وتنوعت. فتجارب الحياة المريرة والقاسية تدعونا إلى الخوف. وقد يكون هذا الخوف من أمور محددة، غير أن العقل الباطن يقوم بتعميم هذا الخوف على بقية جوانب حياتنا، فنصبح كائناً خائفا في التعامل مع أكثر ما يوجد في الحياة.

وهنا تبدأ قائمة المخاوف ولا تنتهي. فالخوف من المجهول ثم الخوف من الفشل، والخوف من الرفض، والخوف من التقدم في السن، والخوف من المرض، والخوف من الموت، سواء كان موتنا أو مفارقة من نحب، وهكذا… هذه المخاوف تتحول إلى قيود تكبّل أيدينا وأرجلنا من فعل أشياء نريد القيام بها، وبعض هذه القيود تقيّد أفكارنا ومشاعرنا.

كل هذه المخاوف والتوجسات تحدّ من حركتنا، فنتجنب كل جديد، ونبتعد عن كل ما هو غير مألوف، لأننا نتوجس مما يحمله الجديد من مفاجئات غير سارة، وما يتطلبه غير المألوف من الخروج من منطقة الراحة التي نعدها منطقتنا الآمنة. فنبقى أسير منطقة راحتنا أو بعبارة أخرى منطقة خوفنا، لأنها المنطقة التي نعرفها جيداً والمألوفة لنا، ونتجنب الوقوع في منطقة الشجاعة، لانه لا يسعنا التحرر من الخوف الموجود بداخلنا.

من أسوأ المخاوف ما يمنعنا من تحقيق أحلامنا والوصول إلى أهدافنا وطموحاتنا، حيث يجعلنا هذا الخوف نقبع في الحفرة التي حفرناها لأنفسنا وكلما ازدادت مخاوفنا ازددنا في حفرها إلى أن نجد أننا وصلنا إلى قاعها. وقد صدق أبو قاسم الشابي حينما قال:

                   ومن يتهيب صعود الجبال           يعش أبد الدهر بين الحفر

هذا الخوف يقف عائقاً بيننا وبين ما نطمح للوصول إليه، وهو يجر مخاوف أخرى مثل الخوف من الفشل، والخوف من السخرية والانتقاد، والخوف من العراقيل التي تواجهنا في طريق الوصول إلى أهدافنا، ومن أغرب المخاوف في هذا المجال الخوف من النجاح، فهناك من يسأل نفسه ماذا لو نجحت في تحقيق ما أصبو إليه؟ كيف أتعامل مع هذا النجاح؟ وكيف سينظر إلي الناس؟ هل أستطيع تحمل المسؤوليات التي تترتب على هذا النجاح؟ وغير ذلك من الأسئلة.

كيف نتعامل مع الخوف؟

أكدت الدراسات أن 90% مما نخاف منه لا يتحقق. ومعظم ما يحدث لنا من أمور سيئة لم نكن قد فكرنا فيها أو كانت في قائمة مخاوفنا. فالخوف يتعشش في عقولنا فقط. قد تكون بعض المخاوف حقيقية ومنطقية ولابد من أخذها في الحسبان، لكن تكمن المشكلة في أن الخوف لايبقى في مستوى المنطقي والواعي، وإنما يسيطر على العقل اللاواعي. فنخاف من أشياء لا نرى لها سببا معقولا ولا أمرا منطقياً نستند إليه. فالخوف شعور والشعور لايمكن التعامل معه كما نتعامل مع العقل والمنطق.

ليس من السهل على الإنسان التجرد من الخوف، بل من المستحيل أن ينتزع الخوف منه بالكامل، ولكن هناك طرق للتعامل معه، ومن بعض هذه الطرق:

  • الاعتراف بوجوده، فإخفاء الخوف الموجود أو مقاومته، سيجعل منه مارداً يستحيل التغلب عليه.

  • قم بعمل حوار هادئ مع نفسك، واطرح هذه الأسئلة عليها. ما الذي أخاف منه؟ لماذا أخاف من هذا الشيء؟ ما هو أسوأ ما يمكن حدوثه لو قمت بهذا الشيء؟

  • تقبّل أسوأ النتائج ورحّب به، وقد تكون النتيجة الفشل في تحقيق الهدف. تقبل الفشل وأعلن لنفسك أنك ستقوم بالعمل على تحقيق ما تريد حتى لو فشلت في ذلك مرارا وتكراراً.

Advertisement

7 Comments Add yours

  1. کوثر says:

    أسأل الله العظيم أن يبارك لك صفحتك هذه. سلمت يداك وبارك الله في علمك و أوقاتك اختي الغالية د.سيوين .

    Liked by 1 person

    1. Seween says:

      وبارك فيك أختي العزيزة، أشكرك على مرورك الكريم.

      Like

  2. ام عائشة says:

    حقا كلما اكبر في العمر كلما يزداد مخاوفي وتتسع رقعته في عقلي وقلبي .

    Like

  3. كوثر says:

    ما شاء الله مقال نافع ومهم في حياتنا اليومية…..ربي يبارك فيك

    Liked by 1 person

    1. Seween says:

      شكرأ جزيلا صديقتي العزيزة.

      Like

  4. olakhaled says:

    الخوف مما هو موجود وليس من المستقبل
    خوفي من حياتي التي اعيشها ومن عالمي ومن نفسي

    Liked by 1 person

    1. Seween says:

      نعم، قد تختلف مصادر الخوف وأشكاله، ولكنه يبقى العائق النفسي الأكبر الذي يعيقنا عن تحقيق ما نريده من حياتنا. مع التقدير

      Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s